فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ، وَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أشياء فهبنا، وفي الحديث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة) وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: «إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ» قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا ظَهَرَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا؟ قَالَ: «الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ، وَالْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ، وَالْعِلْمُ فِي رُذَالِكُمْ» قَالَ زَيْدٌ: تَفْسِيرُ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعِلْمُ فِي رُذَالِكُمْ: إذا كان العلم في الفساق (رواه ابن ماجة) وقوله تعالى: {تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُنَافِقِينَ. وَقَوْلُهُ: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ} يَعْنِي بِذَلِكَ مُوَالَاتِهِمْ لِلْكَافِرِينَ وَتَرْكَهُمْ مُوَالَاةَ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي أَعَقَبَتْهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ وَأَسْخَطَتِ اللَّهَ عَلَيْهِمْ سُخْطًا مُسْتَمِرًّا إِلَى يَوْمِ مَعَادِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {إِنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} وفسر بذلك ما ذمهم به ثم أخبر عنهم أنهم {في العذاب خَالِدُونَ} يعني يوم القيامة. وقوله تَعَالَى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ} أَيْ لَوْ آمنوا حق الإيمان بالله والرسول والقرآن لما ارتكبوا في مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ فِي الْبَاطِنِ وَمُعَادَاةِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ والنبي وما أنزل إليه، {ولمن كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} أَيْ خَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مُخَالِفُونَ لِآيَاتِ وَحْيِهِ وَتَنْزِيلِهِ.