يتعاطونه من المآثم والمحارم {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}، أَيْ لأزلنا عنهم المحذور وأنلناهم الْمَقْصُودَ، {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هو الْقُرْآنَ، {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم}، أَيْ لَوْ أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمَا فِي الْكُتُبِ التي بأديهم عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير، لَقَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ كُتُبَهُمْ نَاطِقَةٌ بِتَصْدِيقِهِ وَالْأَمْرِ باتباعه حتماً لا محالة. وقوله تعالى: {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} يَعْنِي بِذَلِكَ كَثْرَةَ الرِّزْقِ النَّازِلِ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، والنابت لهم من الأرض، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ} يَعْنِي لَأَرْسَلَ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا، {وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} يَعْنِي يخرج من الأرض بركاتها، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأرض} الآية، وقال تَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناس} الآية. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} يَعْنِي مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَلَا تعب ولا شقاء ولا عناء.
وقد ذكر ابن أبي حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ»، فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يُرْفَعُ العلم وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا فقال: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ لَبِيدٍ إِنْ كُنْتُ لأراك من أفقه أهل المدينة أو ليست التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ حِينَ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل}، وقوله تَعَالَى: {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ} كقوله {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يعدلون} فَجَعَلَ أَعْلَى مَقَامَاتِهِمُ الِاقْتِصَادَ وَهُوَ أَوْسَطُ مَقَامَاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ رُتْبَةُ السَّابِقَيْنِ، كَمَا في قوله عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} الآية، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كلهم يدخلون الجنة.