صُلْحِ الحُدَيبية وَفْتُحِ مَكَّةَ هُوَ وَخَالِدُ بْنُ الوليد وعمرو بن العاص.
وَسَبَبُ نُزُولِهَا فِيهِ لَمَّا أَخَذَ مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بن إسحاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَاطْمَأَنَّ النَّاسُ خَرَجَ حَتَّى جاء إلى الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ دَعَا (عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ) فَأَخْذَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الكعبة ففتحت له فدخلها، وفوجد فِيهَا حَمَامَةً مِنْ عِيدَانٍ فَكَسَرَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ طَرَحَهَا، ثُمَّ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَقَدِ استكن له الناس في المسجد فَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأحزاب وحده، أن كُلُّ مَأْثُرَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ يُدْعَى فَهُوَ تَحْتَ قدميَّ هَاتَيْنِ، إِلَّا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ» وَذَكَرَ بقيِّة الْحَدِيثِ فِي خُطْبَةِ النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ إلىأن قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ (عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ) وَمِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ مَعَ السِّقَايَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ»؟ فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: «هَاكَ مِفْتَاحَكَ يَا عُثْمَانُ، الْيَوْمُ يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ». قال ابن جرير: نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، قَبَضَ مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِفْتَاحَ الكعبة فدخل في الْبَيْتَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} الآية، فدعا عثمان إليه فدفع إليه المفتاح، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَعْبَةِ وهو يتلو هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فِدَاهُ أَبِي وَأُمِّي مَا سَمِعْتُهُ يَتْلُوهَا قَبْلَ ذلك.
وَهَذَا مِنَ الْمَشْهُورَاتِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ في ذلك، وسواء كانت فِي ذَلِكَ أَوْ لَا فَحَكَمُهَا عَامٌّ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هِيَ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، أَيْ هِيَ أَمْرٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} أَمْرٌ مِنْهُ تَعَالَى بِالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الناس، ولهذا قال زيد بن أسلم: أن هذه الآية: إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْأُمَرَاءِ يَعْنِي الْحُكَّامِ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنِ اللَّهَ مَعَ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ وَكَلَهُ إِلَى نَفْسِهِ»، وَفِي الْأَثَرِ: «عَدْلُ يَوْمٍ كَعِبَادَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً»، وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ نعمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} أَيْ يَأْمُرُكُمْ بِهِ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَاتِ، وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوَامِرِهِ وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة، وقوله تعالى: {إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} سميعاً لأقوالكم، بصيراً بأفعالكم.