اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا معتزلاً لم يصلِّ مع الْقَوْمِ، فَقَالَ: «يَا فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ، أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ»؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» (رواه الإمام أحمد من حديث عمران بن حصين) وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً} فَالتَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْقَصْدُ. تَقُولُ الْعَرَبُ: تَيَمَّمَكَ اللَّهُ بِحِفْظِهِ أَيْ قصدك، ومنه قول امرىء القيس شعراً:
وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الْمَنِيَّةَ وِرِدُهَا * وَأَنَّ الْحَصَى من تحت أقدامها دامي
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ * يَفِيءُ عَلَيْهَا الفيء عرمضها طامي
وَالصَّعِيدُ قِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا صَعِدَ عَلَى وجه الارض، فيدخل الأرض، فيدخل فيه التراب والرمل والشجر وَالنَّبَاتُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: مَا كَانَ من جنس التراب كالرمل وَالزَّرْنِيخُ وَالنَّوْرَةُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: هو التراب فقط، وهو قول الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِمَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} أَيْ تُرَابًا أَمْلَسَ طَيِّبًا، وَبِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ" وَفِي لَفْظٍ: «وَجُعِلَ تُرَابُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ» قَالُوا فَخَصَّصَ الطَّهُورِيَّةَ بِالتُّرَابِ في مقام الإمتنانن فلو كان غيره يقوم مقام لذكره معه، والطيب ههنا: قيل الحلال، وقيل الذي ليس بنجس.
(يتبع ... )