كقوله تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ} الآية. ثم قال تعالى: {فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} أَيْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاتَّبِعُوهُ فِيمَا شَرَعَ لَكُمْ، {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}
وقوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} أَيْ لَا يَحْسَبَنَّ الْبَخِيلُ أَنَّ جَمْعَهُ الْمَالَ يَنْفَعُهُ بَلْ هُوَ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي دُنْيَاهُ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَآلِ أَمْرِ مَالِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من آتَاهُ اللَّهُ مَالَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ له شجاعاً (شُجاعاً وشِجاعاً: نوع من الحيات) أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَأْخُذُ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - ثم يَقُولُ أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ".، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} (أخرجه البخاري عن أبي هريرة) إلى آخر الآية.
(حديث آخر): عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الَّذِي لَا يُؤَدِّي زكاة ماله يمثل لَهُ مَالَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زبيبتان ثم يلزمه يطوقه يقول. أنا مالك، أنا كنزك» (رواه أحمد والنسائي).
(حديث آخر): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إِلَّا جُعِلَ له شجاع أقرع يتبعه يفر منه فيتبعه فَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ"، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ القيامة} (رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة).
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ بَخِلُوا بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ أَنْ يُبَيِّنُوهَا، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَإِنْ دَخَلَ هَذَا فِي مَعْنَاهُ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا أَوْلَى بِالدُّخُولِ والله سبحانه وتعالى أعلم. وقوله تعالى: {وَللَّهِ ميراث السموات وَالْأَرْضِ} أَيْ {فَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}، فَإِنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا مَرْجِعُهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجلّ. فقدموا مِنْ أَمْوَالِكُمْ مَا يَنْفَعُكُمْ يَوْمَ مَعَادِكُمْ {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خبير} أي بيناتكم وضمائركم.