الذي تسألون عنه» (أخرجه أحمد والنسائي). وروى الإمام أحمد عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَيِّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ؟ وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ الْمَاءُ وَالتَّمْرُ، وَسُيُوفُنَا عَلَى رِقَابِنَا، وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ، فَعَنْ أَيِّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّ ذَلِكَ سيكون» (أخرجه أحمد).
وروى الترمذي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أول ما يسأل عنه الْعَبْدُ مِنَ النَّعِيمِ، أَنْ يُقَالَ لَهُ أَلَمْ نصحّ لك بدنك، ونروك من الماء البارد»؟ (أخرجه الترمذي وابن حيان) وروى ابن أبي حاتم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ، قَالَ الزُّبَيْرُ: لَمَّا نَزَلَتْ {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِأَيِّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ؟ قالوا: «إن ذلك سيكون» (أخرجه ابن أبي حاتم ورواه الترمذي وابن ماجة). وفي رواية عن عكرمة: قَالَتِ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّ نَعِيمٍ نَحْنُ فِيهِ؟ وَإِنَّمَا نَأْكُلُ فِي أَنْصَافِ بُطُونِنَا خبز الشعير؟ فأوحى إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لَهُمْ: أَلَيْسَ تَحْتَذُونَ النِّعَالَ، وَتَشْرَبُونَ الْمَاءَ الْبَارِدَ؟ فهذا من النعيم. وعن ابن مسعود مرفوعاً: «الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ». وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ثم لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} يَعْنِي شِبَعَ الْبُطُونِ، وَبَارِدَ الشَّرَابِ، وَظِلَالَ الْمَسَاكِنِ، وَاعْتِدَالَ الْخَلْقِ وَلَذَّةَ النوم، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَنْ كُلِّ لَذَّةٍ مِنْ لَذَّاتِ الدنيا، وقال الحسن البصري: من النعيم الغداء والعشاء، وقول مجاهد أشمل هذه الأقوال، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قَالَ: النَّعِيمُ صِحَّةُ الْأَبْدَانِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ، يَسْأَلُ اللَّهُ الْعِبَادَ فِيمَا اسْتَعْمَلُوهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}. وثبت في صحيح البخاري وسنن الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كثير من الناس: الصحة والفراغ" (أخرجه البخاري)، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ فِي شُكْرِ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ لَا يَقُومُونَ بِوَاجِبِهِمَا، وَمَنْ لَا يَقُومُ بحق ما وجب عليه فهو مغبون.