يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الشُّهَدَاءِ بِأَنَّهُمْ، وَإِنْ قُتِلُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ حَيَّةٌ مَرْزُوقَةٌ في دار القرار، روى ابن جرير بسنده عن أنَس بن مالك في قصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم نبي الله إلى أهل (بئر بعونة) قَالَ: لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ، وَعَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ الْجَعْفَرِيُّ، فَخَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حتى أتو غَارًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَاءِ فَقَعَدُوا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ هَذَا الماء؟ فقال - اراه أبو مِلْحَانَ الْأَنْصَارِيَّ - أَنَا أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى حول بيتهم فاجتثى أَمَامَ الْبُيُوتِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ بِئْرِ مَعُونَةَ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَخَرَجَ إليه رجل من كسر البيت برمح فضربه فِي جَنْبِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَاتَّبَعُوا أثره حتى أتو أصحابه في الغار فقتلهم أجميعن (عامر بن الطفيل).

وقال ابن اسحق: حدثني أنس بن مالك إن الله أَنْزَلَ فِيهِمْ قُرْآنًا، بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ، ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناها زماناً وأنزل الله تَعَالَى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} وَقَدْ قال مسلم في صحيحه، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ:

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} فَقَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ عليهم رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ فَقَالُوا: أَيُّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تردَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حاجة تركوا".

(حديث آخر): عَنْ أنَس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا إِلَّا الشَّهِيدُ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة» (رواه أحمد وأخرجه مسلم).

(حديث آخر): عَنْ جَابِرٍ قَالَ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "أعلمت أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ فَقَالَ لَهُ: تمنَّ، فقال له: أردُّ إلى الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى، قال: إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون" (رواه أحمد عن جبار بن عبد الله) وقال البخاري، عن ابن المنكدر، سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَبْكِي وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ينهوني وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تبكيه - أَوْ مَا تَبْكِيهِ - مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بأجنحتها حتى رفع» (أخرجه البخاري ومسلم والنسائي)

(حديث آخر): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ يوم أُحد جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم، وحسن مقيلهم، قَالُوا: يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ الله بنا لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015