أَوْ إِطْعَامٌ}، وقال ابن زيد: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أَيْ أَفَلَا سَلَكَ الطَّرِيقَ الَّتِي فيها النجاة والخير، ثم بينها فقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة * فَكُّ رَقَبَةٍ}، عن سعيد بن مرجانة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مؤمنة أعتق الله بكل إرب - أي عضو - مِنْهَا إِرْبًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ حَتَّى إِنَّهُ لَيُعْتِقُ بِالْيَدِ الْيَدَ، وَبِالرِّجْلِ الرِّجْلَ، وَبِالْفَرْجِ الْفَرْجَ»، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: نَعَمْ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لِغُلَامٍ لَهُ أَفْرَهَ غِلْمَانِهِ: ادْعُ مُطَرِّفًا، فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: اذهب فأنت حر لوجه الله" (أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والإمام أحمد). وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ الَّذِي أَعْتَقَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ كَانَ قَدْ أعطي فيه عشرة آلاف درهم، وعن عمرو بن عبسة أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِيُذْكَرَ اللَّهُ فِيهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَعْتَقَ نَفْسًا مُسَلِمَةً كَانَتْ فِدْيَتَهُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يوم القيامة» (أخرجه أحمد). وفي الحديث: «مَنْ وُلِدَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فِي الْإِسْلَامِ فَمَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَلَغَ بِهِ الْعَدُّوَ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ كَانَ لَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِّنَ النار، وَمِن أعتق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ يُدْخِلُهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ منها» (أخرجه أحمد أيضاً). وهذه أسانيد جيدة قوية ولله الحمد.
وقوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذِي مَجَاعَةٍ (وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ ومجاهد والضحَّاك وقتادة وغيرهم)، والسغب: هو الجوع، وقال النَّخَعِيُ: فِي يَوْمٍ الطعامُ فِيهِ عَزِيزٌ، وَقَالَ قتادة: في يوم مشتهى فيه الطعام، وقوله تعالى: {يَتِيماً} أَيْ أَطْعِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ يَتِيمًا {ذَا مَقْرَبَةٍ} أَيْ ذَا قَرَابَةٍ مِنْهُ، كما جاء في الحديث الصحيح: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثنتان، صدقة وصلة» (أخرجه أحمد ورواه الترمذي والنسائي وإسناده صحيح). وقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} أَيْ فَقِيرًا مُدْقِعًا لَاصِقًا بِالتُّرَابِ، وَهُوَ الدَّقْعَاءُ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَا مَتْرَبَةٍ هُوَ الْمَطْرُوحُ فِي الطَّرِيقِ، الَّذِي لَا بَيْتَ لَهُ وَلَا شَيْءَ يَقِيهِ مِنَ التُّرَابِ. وَفِي رِوَايَةٍ: هُوَ الَّذِي لَصِقَ بِالدَّقْعَاءِ مِنَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وقال عكرمة: هو الفقير المدين الْمُحْتَاجُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الَّذِي لا أحد له، وقال قتادة: هُوَ ذُو الْعِيَالِ، وَكُلُّ هَذِهِ قَرِيبَةُ الْمَعْنَى، وقوله تعالى: {ثُمَّ كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ} أَيْ ثُمَّ هُوَ مَعَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ الطَّاهِرَةِ مُؤْمِنٌ بِقَلْبِهِ، مُحْتَسِبٌ ثَوَابَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً}، وقوله تعالى: {وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ} أَيْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ صَالِحًا، «الْمُتَوَاصِينَ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَى النَّاسِ، وَعَلَى الرَّحْمَةِ بِهِمْ»، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأرض يرحمكم من في السماء». وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَرْوِيهِ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ منا» (أخرجه أبو داود)، وقوله تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} أَيِ الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، ثُمَّ قَالَ: