الآية كقوله تعالى: {وقال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} أَيْ قَدَّرَ قَدْرًا وَهَدَى الْخَلَائِقَ إِلَيْهِ، كَمَا ثبت في صحيح مسلم: «إِنَّ اللَّهَ قدَّر مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء» (أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً). وقوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} أَيْ مِنْ جَمِيعِ صُنُوفِ النَّبَاتَاتِ وَالزُّرُوعِ، {فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَى} قَالَ ابْنُ عباس: هشيماً متغيراً، وقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ} أَيْ يَا مُحَمَّدُ {فَلاَ تَنْسَى} وَهَذَا إخبار من الله تعالى وَوَعْدٌ مِنْهُ لَهُ، بِأَنَّهُ سَيُقْرِئُهُ قِرَاءَةً لَا يَنْسَاهَا {إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ} وَهَذَا اخْتِيَارُ ابن جرير، وقال ابن قَتَادَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينسى إلا ما شآء الله، وقوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} أَيْ يَعْلَمُ مَا يَجْهَرُ بِهِ الْعِبَادُ، وَمَا يُخْفُونَهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} أَيْ نُسَهِّلُ عليك أفعال الخير، ونشرع لك شرعاً سهلاً سمحاً، لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا حَرَجَ وَلَا عُسْرَ، وقوله تعالى: {فذكِّر إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} أَيْ ذَكِّرْ حَيْثُ تنفع التذكرة، ومن ههنا يُؤْخَذُ الْأَدَبُ فِي نَشْرِ الْعِلْمِ فَلَا يَضَعُهُ عند غير أهله، كما قال عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ فتنة لبعضهم. وقال: حدثوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ ورسوله؟ وقوله تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى} أَيْ سَيَتَّعِظُ بِمَا تُبَلِّغُهُ يَا مُحَمَّدُ مَنْ قَلْبُهُ يَخْشَى اللَّهَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ مُلَاقِيهِ، {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا ولا يحيى} أي لا يموت فيستريح، ولا يحيى حَيَاةً تَنْفَعُهُ بَلْ هِيَ مُضِرَّةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ بِسَبَبِهَا يَشْعُرُ مَا يُعَاقَبُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ العذاب وأنواع النكال، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فيها ولا يحيون ولكن أناس تُصِيبُهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ - فَيُمِيتُهُمْ إماتة حتى إذا ما صَارُوا فَحْمًا أَذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ نبات الحبة في حميل السيل" (أخرجه أحمد ومسلم)، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إنكم ماكثون}، وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ من عذابها} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا المعنى.