بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إلى أَهْلِيهِمْ أبداً} وهكذا هؤلاء اعتقدوا أن المشركين لما أظهروا تِلْكَ السَّاعَةِ أَنَّهَا الْفَيْصَلَةُ، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ باد وأهله، وهذا شَأْنُ أَهْلِ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ، إِذَا حَصَلَ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ الْفَظِيعَةِ تَحْصُلُ لَهُمْ هَذِهِ الظُّنُونُ الشَّنِيعَةُ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ {يَقُولُونَ} فِي تِلْكَ الْحَالِ {هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ} فقال تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ}، ثُمَّ فَسَّرَ مَا أَخْفَوْهُ فِي أَنْفُسِهِمْ بِقَوْلِهِ: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قتلنا ههنا}، أَيْ يُسِرُّونَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن إسحاق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اشْتَدَّ الْخَوْفُ عَلَيْنَا أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا النَّوْمَ، فَمَا مِنَّا مِنْ رَجُلٍ إِلَّا ذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ إني لأسمع قول متعب بْنِ قُشَيْرٍ مَا أَسْمَعُهُ إِلَّا كَالْحُلْمِ يَقُولُ: (لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قتلنا ههنا)، فحفظتها منه، وفي ذلك أنزل الله: (يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا ههنا) لِقَوْلِ مُعْتَبٍ (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ).

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} أي هذا قدر قدره الله عز وجل وحكم حتم لا محيد عنه ولا مناص منه.

وقوله تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} أَيْ يَخْتَبِرَكُمْ بِمَا جَرَى عَلَيْكُمْ ليميز الخبيث من الطيب، ويظهر أمر المؤمن من المنافق لِلنَّاسِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أَيْ بِمَا يَخْتَلِجُ فِي الصُّدُورِ مِنَ السرائر والضمائر. ثم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} أَيْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمُ السَّالِفَةِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا، وَإِنَّ مِنْ جَزَاءِ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ بَعْدَهَا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} أَيْ عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مَنَ الْفِرَارِ، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} أَيْ يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَحْلُمُ عَنْ خَلْقِهِ ويتجاوز عنهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015