وعن عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى،
أَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَقُولُ أَرْشِدْنِي. قَالَتْ: وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَتْ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنْهُ، وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَقُولُ: «أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا»؟ فَيَقُولُ: لا، ففي هذا أنزلت: {عبس وتولى} (أخرجه ابن جرير وأبو يعلى)، وهكذا ذكر غير وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ الله، وقوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} أي هذه الْوَصِيَّةُ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ النَّاسِ، فِي إِبْلَاغِ الْعِلْمِ بين شريفهم ووضيعهم، وقال قتادة {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} يَعْنِي الْقُرْآنَ {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} أي فمن شاء ذكر الله تعالى في جميع أموره، ويحتمل عود الضمير إلى الوحي لدلالة الكلام عليه، وقوله تعالى: {فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ} أَيْ هَذِهِ السورة أو العظة {فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ} أَيْ مُعَظَّمَةٍ مُوَقَّرَةٍ، {مَّرْفُوعَةٍ} أي عالية القدرة، {مُّطَهَّرَةٌ} أي من الدنس والزيادة والنقصان، وقوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} قال ابن عباس ومجاهد: هِيَ الْمَلَائِكَةُ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هم القراء، وقال ابن جرير: والصحيح أَنَّ السَّفَرَةَ الْمَلَائِكَةُ، وَالسَّفَرَةُ يَعْنِي بَيْنَ اللَّهِ تعالى وبين خلقه، ومنه السَّفِيرُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الصُّلْحِ وَالْخَيْرِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بَيْنَ قَوْمِي * وَمَا أَمْشِي بِغِشٍّ إِنْ مَشَيْتُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: سَفَرَةٌ: الْمَلَائِكَةُ: سفرتُ أَصْلَحَتْ بَيْنَهُمْ، وجُعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله تعالى وَتَأْدِيَتِهِ كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ الْقَوْمِ، وَقَوْلُهُ تعالى: {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} أي خَلْقهم كريم، وأخلاقهم بارة طاهرة، وفي الصحيح: «الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شاق له أجران» (أخرجه الجماعة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً).