من الإنسان شيء إلا بلي إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ (عَجْبُ الذَّنَبِ) وَمِنْهُ يركب الخلق يوم القيامة» (أخرجه البخاري). {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً} أَيْ طُرُقًا وَمَسَالِكَ لِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ، {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} كَقَوْلِهِ تعالى: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش}، وقال ههنا {فَكَانَتْ سَرَاباً} أَيْ يُخَيَّلُ إِلَى النَّاظِرِ أَنَّهَا شيء وليست بشيء، وبعد هَذَا تَذْهَبُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا عَيْنَ وَلَا أَثَرَ، كما قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارزة}، وقوله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} أَيْ مُرْصَدَةً مُعَدَّةً {لِّلطَّاغِينَ} وَهُمُ الْمَرَدَةُ الْعُصَاةُ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ، {مَآباً} أي مرجعاً ومنقلباً ومصيراً ونزلاء، وقال الحسن وقتادة: لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز النار، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ جَوَازٌ نَجَا وَإِلَّا احْتَبَسَ، وقوله تعالى: {لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} أَيْ مَاكِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا وَهِيَ جَمْعُ حُقْبٍ وَهُوَ الْمُدَّةُ مِنَ الزَّمَانِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ، فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِهِلَالٍ الْهَجَرِيِّ: مَا تَجِدُونَ الْحُقْبَ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ؟ قَالَ: نَجِدُهُ ثَمَانِينَ سَنَةً، كُلُّ سَنَةٍ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، كُلُّ يوم ألف سنة، وعن الحسن والسدي: سبعون سنة. وَعَنْ عَبْدِ

اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: الْحُقْبُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، كُلُّ يَوْمٍ مِنْهَا كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، (رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ)، وَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: ذُكِرَ لِي أَنَّ الْحُقْبَ الْوَاحِدَ ثلثمائة سنة، أثنا عشر شهراً، كل سنة ثلثمائة وَسِتُّونَ يَوْمًا، كُلُّ يَوْمٍ مِنْهَا كَأَلْفِ سَنَةٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} سَبْعُمِائَةُ حُقْبٍ، كل حقب سبعون سنة، كل سنة ثلثمائة وَسِتُّونَ يَوْمًا، كُلُّ يَوْمٍ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تعدون، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ تعالى: {إِلاَّ مَا شآء ربك} في أهل التوحيد (أخرجه ابن جرير)، قال ابن جرير: والصحيح أنها لا انقضاء لها، كما روي عَنْ سَالِمٍ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَسْأَلُ عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} قَالَ أَمَّا الْأَحْقَابُ فَلَيْسَ لَهَا عِدَّةٌ إِلَّا الْخُلُودَ فِي النَّارِ، وَلَكِنْ ذَكَرُوا أَنَّ الْحُقْبَ سَبْعُونَ سَنَةً، كُلُّ يَوْمٍ كألف سنة مما تعدون، وقال قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} وهو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَس: {لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} لَا يَعْلَمُ عِدَّةَ هَذِهِ الْأَحْقَابِ إِلَّا اللَّهُ عزَّ وجلَّ، وذكر لنا أن الحقب الواحد ثمانون سنة، والسنة ثلثمائة وَسِتُّونَ يَوْمًا، كُلُّ يَوْمٍ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تعدون (أخرجه ابن جرير أيضاً).

وقوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً} أَيْ لَا يَجِدُونَ فِي جَهَنَّمَ بَرْدًا لِقُلُوبِهِمْ، وَلَا شراباً طيباً يتغذون به، ولهذا قال تعالى: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً}، وقال أَبُو الْعَالِيَةِ: اسْتَثْنَى مِنَ الْبَرْدِ الْحَمِيمَ، وَمِنَ الشراب الغساق، قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَس: فَأَمَّا الْحَمِيمُ فَهُوَ الْحَارُّ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ وحموُّه. وَالْغَسَّاقُ هُوَ مَا اجْتَمَعَ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ وَعَرَقِهِمْ وَدُمُوعِهِمْ وَجُرُوحِهِمْ، فَهُوَ بَارِدٌ لَا يُسْتَطَاعُ من برده ولا يواجه من نتته، وقوله تعالى: {جزاءاً وِفَاقاً} أَيْ هَذَا الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ، وِفْقَ أَعْمَالِهِمُ الْفَاسِدَةِ الَّتِي كَانُوا يعملونها في الدنيا، ثم قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} أَيْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ثَمَّ دَارًا يُجَازَوْنَ فِيهَا وَيُحَاسَبُونَ، {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015