أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفًا، وَقَدْ رَجَعَ وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبَ» (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ) وقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} قال ابن عباس: وعدهم الله النصر، {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} أَيْ تَقْتُلُونَهُمْ {بِإِذْنِهِ} أَيْ بِتَسْلِيطِهِ إياكم عليهم {حتى إِذَا فَشِلْتُمْ} الْفَشَلُ: الْجُبْنُ {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ} كَمَا وَقَعَ لِلرُّمَاةِ {مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ} وهو الظفر بهم {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا} وَهْمُ الَّذِينَ رَغِبُوا فِي الْمَغْنَمِ حِينَ رَأَوُا الْهَزِيمَةَ {وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} ثُمَّ أَدَالَهُمْ عَلَيْكُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ وَيَمْتَحِنَكُمْ {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} أي غفر لكم ذلك الصنيع. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} قال: لم يستأصلكم {والله ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين}.
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَوْمَ أحُد، خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ يُجْهِزْنَ عَلَى جَرْحَى الْمُشْرِكِينَ، فَلَوْ حَلَفْتُ يَوْمَئِذٍ رَجَوْتُ أَنْ أَبَرَّ، أنه ليس منا أحد يريد الدنيا حتى أنزل الله: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}، فَلَمَّا خَالَفَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به أفرد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِسْعَةٍ، سَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ عَاشِرُهُمْ صلى الله عليه وسلم، فلما أرهقوه قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَدَّهُمْ عَنَّا»، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ سَاعَةً حَتَّى قتل، فلما أرهقوه أَيْضًا قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَدَّهُمْ عَنَّا» فلم يزل يقول ذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله لصاحبيه: «مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا»، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: اعلُ هُبَل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ»، فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا والكافرون لاَ مولى لَهُمْ»، فقال أبو سفيان يوم بيوم بدر (فيوم عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا: وَيَوْمٌ نُساء وَيَوْمٌ نُسر) حنظلة بحنظلة وَفُلَانٌ بِفُلَانٍ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا سَوَاءً: أَمَّا قَتْلَانَا فَأْحَيْاءٌ يرزقون؛ وأما قتلاكم ففي النار يعذبون"، فقال أبو سفيان: لقد كَانَ فِي الْقَوْمِ مُثْلة - وَإِنْ كَانَتْ لَعَنْ غير مَليّ (المليُّ بفتح الميم الهوى) مِنَّا مَا أَمَرْتُ وَلَا نَهَيْتُ وَلَا أَحْبَبْتُ وَلَا كَرِهْتُ، وَلَا سَاءَنِي وَلَا سَرَّنِي، قَالَ: فَنَظَرُوا فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَأَخَذَتْ هِنْدُ كَبِدَهُ فَلَاكَتْهَا فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَأْكُلَهَا، فقال رسو اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكَلَتْ شَيْئًا»؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: «مَا كَانَ اللَّهُ لِيُدْخِلَ شَيْئًا مِنْ حَمْزَةَ فِي النَّارِ»، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ فصلى عليه، وجيء برجل من الأنثار فَوُضِعَ إِلَى جَنْبِهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَرُفِعَ الْأَنْصَارِيُّ وترك حمزة، حتى جيء بآخر فوضع إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ وَتُرِكَ حَمْزَةُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صلاة (رواه الإمام أحمد في المسند).
وقال البخاري عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا مِنَ الرماة وأمر عليهم (عبد الله ابْنَ جُبَيْرٍ)، وَقَالَ: «لَا تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا». فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ هَرَبُوا حَتَّى رأيت النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ. وقد بدل خَلَاخِلُهُنَّ فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ، فَقَالَ عَبْدُ الله بن جبير: عَهِدَ إليَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا تَبْرَحُوا فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صَرَفَ وُجُوهَهُمْ فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلًا، فَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ: «لَا تُجِيبُوهُ»، فَقَالَ: أَفِي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: «لَا تُجِيبُوهُ»، فَقَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ، فقال: إن هؤلاء قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا، فَلَمْ يَمْلِكْ عمر