قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا،
ثُمَّ قَرَأَ: {بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنِ ويمد الرحيم (أخرجه البخاري)، وعن أُمّ سلمة رضي الله عنها أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدين} (أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي)، وفي الحديث: "يقال لقارئ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تقرؤها" (أخرجه أحمد ورواه الترمذي والنسائي). وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّرْتِيلِ، وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَ «ليس منا من لم يتغنى بالقرآن». وقال ابن مسعود: لَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الرَّمْلِ، وَلَا تَهُذُّوهُ هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلَا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ (رَوَاهُ البغوي عن ابن مسعود موقوفاً)، وقوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: أَيِ الْعَمَلُ بِهِ، وَقِيلَ: ثَقِيلٌ وَقْتَ نُزُولِهِ مِنْ عَظَمَتِهِ، كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثابت رضي الله عنه: أُنزل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَكَادَتْ تَرُضُّ فَخِذِي، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن الحارث
ابن هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يأتيك الوحي؟ فقال: «أحياناً يأتي في مثل صلصلة الجرس، وهو أشد عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جبينه ليتفصد عرقاً (أخرجه البخاري في أول صحيحه). وروى الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ لِيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فتضرب بجرانها (الجران: باطن العنق).
وقوله تعالى: {إن ناشئة الليل هي أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً} قال عمر: الليل كله ناشئة، وقال مجاهد: نَشَأَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ عنه: بعد العشاء، وَالْغَرَضُ أَنَّ {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} هِيَ سَاعَاتُهُ وَأَوْقَاتُهُ، وكل ساعة منه تسمى ناشئة، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ هُوَ أَشَدُّ مُوَاطَأَةً بَيْنَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَأَجْمَعُ عَلَى التِّلَاوَةِ، وَلِهَذَا قال تعالى: {هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً} أَيْ أَجْمَعُ لِلْخَاطِرِ فِي أَدَاءِ الْقِرَاءَةِ وَتَفَهُّمِهَا مِنْ قِيَامِ النَّهَارِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش، ولهذا قال تعالى: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً}، قَالَ أبو العالية ومجاهد: فراغاً طويلاً، وقال قتادة: فراغاً وبغية ومتقلباً، وَقَالَ السُّدِّيُّ: {سَبْحَاً طَوِيلاً} تَطَوُّعًا كَثِيرًا، وَقَالَ عبد الرحمن بن زيد {سَبْحَاً طَوِيلاً} قَالَ: لِحَوَائِجِكَ فَأَفْرِغْ لِدِينِكَ اللَّيْلَ، وَهَذَا حِينَ كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَرِيضَةً، ثُمَّ إن الله تبارك وتعالى منَّ على عباده فخففها، ووضعها. روى الإمام أحمد، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ هشام قال، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتِ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان كالقرآن، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ، ثُمَّ بَدَا لِي قِيَامُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتِ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ