الظَّالِمِينَ

- 141 - وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ

- 142 - أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

- 143 - وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ

يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا عباده المؤمنين لما أُصِيبُوا يَوْمَ أُحُدٍ وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ}، أَيْ قَدْ جَرَى نَحْوَ هَذَا عَلَى الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِكُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ كَانَتِ الْعَاقِبَةُ لهم والدائرة على الكافرين، ولهذا قال تعالى: {فَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين}، ثم قال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ} يَعْنِي الْقُرْآنَ فِيهِ بَيَانٌ الأمور عَلَى جَلِيَّتِهَا وَكَيْفَ كَانَ الْأُمَمُ الْأَقْدَمُونَ مَعَ أَعْدَائِهِمْ، {وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ} يَعْنِي الْقُرْآنَ فِيهِ خَبَرُ ما قبلكم وهدى لقلوبكم وموعظة أَيْ زَاجِرٌ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ. ثُمَّ قَالَ تعالى مُسَلِّيًا لِلْمُؤْمِنِينَ: {وَلاَ تَهِنُوا} أَيْ لَا تَضْعُفُوا بِسَبَبِ مَا جَرَى، {وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أَيِ الْعَاقِبَةُ وَالنُّصْرَةُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} أَيْ إِنْ كُنْتُمْ قَدْ أصبتكم جراح وقتل منكم طائفة فقد أصاب أعدائكم قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَتْلٍ وَجِرَاحٍ، {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} أَيْ نُدِيلُ عَلَيْكُمُ الأعداء تارة، وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي مِثْلِ هَذَا لِنَرَى مَنْ يَصْبِرُ عَلَى مُنَاجَزَةِ الْأَعْدَاءِ {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ} يَعْنِي يُقْتَلُونَ فِي سَبِيلِهِ وَيَبْذُلُونَ مُهَجَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ، {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} أَيْ يكفِّر عَنْهُمْ مِنْ ذنوبهم إن كانت لَهُمْ ذُنُوبٌ، وَإِلَّا رُفِعَ لَهُمْ فِي دَرَجَاتِهِمْ بحسب ما أصيبوا به.

وقوه تعالى: {وَيَمْحَقَ الكافرين} أي فإنهم إذا ظفرا بَغَوْا وَبَطَرُوا، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ دَمَارِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ ومحقهم وفنائهم، ثم قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تدخلو الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، أَيْ أَحَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمْ تُبْتَلَوْا بِالْقِتَالِ وَالشَّدَائِدِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البأسآء والضرآء وزلزلوا} وقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} الآية، ولهذا قال ههنا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} أَيْ لَا يَحْصُلُ لَكُمْ دُخُولُ الْجَنَّةِ حَتَّى تُبْتَلَوْا، وَيَرَى اللَّهُ مِنْكُمُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، وَالصَّابِرِينَ على مقاومة الأعداء.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} أَيْ قَدْ كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم تتمونون لقاء العدو، وتحترقون عليه وَتَوَدُّونَ مُنَاجَزَتَهُمْ وَمُصَابَرَتَهُمْ، فَهَا قَدْ حَصَلَ لَكُمُ الَّذِي تَمَنَّيْتُمُوهُ وَطَلَبْتُمُوهُ فَدُونَكُمْ فَقَاتِلُوا وَصَابِرُوا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال: «لا تتمنوا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ»، ولهذا قال تعالى: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} يعني الموت شاهدتموه وقت حدِّ الْأَسِنَّةِ وَاشْتِبَاكِ الرِّمَاحِ، وَصُفُوفِ الرِّجَالِ لِلْقِتَالِ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذَا بِالتَّخْيِيلِ، وَهُوَ مُشَاهَدَةُ مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ كَالْمَحْسُوسِ، كَمَا تَتَخَيَّلُ الشَّاةَ صَدَاقَةَ الْكَبْشِ، وَعَدَاوَةَ الذِّئْبِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015