والأمور العظام، روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا» (أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق وألفاظ وهو حديث مشهور). وقال ابن عباس: هُوَ يَوْمَ القيامة يوم كرب وشدة. وعن ابن مسعود {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} قَالَ: عَنْ أَمْرٍ عظيم كقول الشاعر: شالت الحرب عن ساق (رواه عنهما ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ). وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} قَالَ: شدة الأمر وجده، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} هو الأمر الشديد الفظيع مِنَ الْهَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} يَقُولُ: حِينَ يُكْشَفُ الْأَمْرُ وَتَبْدُو الْأَعْمَالُ، وَكَشْفُهُ دخول الآخرة، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن ساق} يعني عن نور عظيم يخرون له سجداً» (أخرجه ابن جرير عن أبي بردة بن أبي موسى مرفوعاً، ورواه أبو يعلى وفيه رجل بهم)، وقوله تعالى: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أَيْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِإِجْرَامِهِمْ وَتَكَبُّرِهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَعُوقِبُوا بِنَقِيضِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَلَمَّا دُعُوا إِلَى السُّجُودِ فِي الدُّنْيَا فَامْتَنَعُوا مِنْهُ مَعَ صِحَّتِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ، كَذَلِكَ عُوقِبُوا بِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، إِذَا تَجَلَّى الرَّبُّ عزَّ وجلَّ فَيَسْجُدُ لَهُ المؤمنون، ولا يستطيع أحد من الكافرين أو الْمُنَافِقِينَ أَنْ يَسْجُدَ، بَلْ يَعُودُ ظَهْرُ أَحَدِهِمْ طَبَقًا وَاحِدًا، كُلَّمَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَسْجُدَ خرّ لقفاه، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ أَيْ دعني وإياه أنا أعلم كيف أستدرجه ثُمَّ آخُذُهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} أَيْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، بَلْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ كَرَامَةٌ، وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إِهَانَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا
نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ}، ولهذا قال ههنا: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي أؤخرهم وَأَمُدُّهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ كَيْدِي وَمَكْرِي بِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أَيْ عَظِيمٌ لِمَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَكَذَّبَ رُسُلِي، وَاجْتَرَأَ عَلَى مَعْصِيَتِي، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (أخرجه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً). وقوله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ * أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ}! المعنى أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ تَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ بِلَا أَجْرٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، بَلْ تَرْجُو ثواب ذلك عند الله تعالى، وَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ، بِمُجَرَّدِ الْجَهْلِ والكفر والعناد.