وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنْكُمْ} قَالَ: لَا يَجُوزُ فِي نِكَاحٍ وَلَا طَلَاقٍ وَلَا رِجَاعٍ إِلَّا شَاهِدَا عَدْلٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إِلَّا أن يكون من عذر، وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِالْلَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} أَيْ هَذَا الَّذِي أَمَرْنَاكُمْ بِهِ مِنَ الْإِشْهَادِ وَإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، إِنَّمَا يَأْتَمِرُ بِهِ مَن يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر، وَمَنْ يَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وقوله تَعَالَى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} أَيْ وَمَن يَتَّقِ الله فيما أمره به، وترك عما نَهَاهُ عَنْهُ، يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ مَخْرَجاً {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} أَيْ مِنْ جهة لا تخطر بباله.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بالعدل والإحسان}، وإن أكبر آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَرَجًا: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} (رواه ابن أبي حاتم). وفي المسند، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكْثَرَ مِنْ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَمَنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حيث لا يحتسب» (رواه أحمد في المسند). وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} يَقُولُ يُنْجِيهِ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، وقال الربيع بن خيثم: {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ضاق على الناس، {مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} أَيْ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي، وَقَالَ قَتَادَةُ {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} أَيْ مِنْ شُبُهَاتِ الْأُمُورِ وَالْكَرْبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} من حيث يرجو ولا يَأْمُلُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ} يُطَلِّقْ لِلسُّنَّةِ، وَيُرَاجِعْ لِلسُّنَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يُقَالُ لَهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، كَانَ لَهُ ابْنٌ وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوهُ فَكَانَ فِيهِمْ، وَكَانَ أَبُوهُ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْكُو إِلَيْهِ مَكَانَ
ابْنِهِ وَحَالِهِ الَّتِي هُوَ بِهَا وَحَاجَتَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ بِالصَّبْرِ، وَيَقُولُ لَهُ: «إِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ فَرَجًا»، فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا يَسِيرًا أَنِ انْفَلَتَ ابْنُهُ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ، فَمَرَّ بِغَنَمٍ مِنْ أَغْنَامِ الْعَدُوِّ فَاسْتَاقَهَا، فَجَاءَ بِهَا إِلَى أَبِيهِ وجاء معه بغنم قد أصابه من المغنم، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمِنَ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يحتسب} (رواه ابن جرير). وروى الإمام أحمد، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا البر» (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه). وعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ انْقَطَعَ إِلَى الله كفاه الله كل مؤنة وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنِ انْقَطَعَ إلى الدنيا وكله إليها» (رواه ابن أبي حاتم).
وقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ} روى الإمام أحمد، عن ابن عباس: أَنَّهُ رَكِبَ خَلْفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا غُلَامُ إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بشيء قد كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" (رواه أحمد والترمذي، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ). وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَزَلَ بِهِ حَاجَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ كَانَ قَمِنًا أَنْ لَا تسهل حاجته، ومن أنزلها بالله تعالى أَتَاهُ اللَّهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ بِمَوْتٍ آجِلٍ» (أخرجه الإمام أحمد).