مِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ الْجَبَلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نوره مثل النخلة، ومنهم نُورُهُ مِثْلُ الرَّجُلِ الْقَائِمِ، وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَنْ نُورُهُ فِي إِبْهَامِهِ يَتَّقِدُ مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً (رواه ابن أبي جرير)، وقال الضحّاك: ليس أحداً إِلَّا يُعْطَى نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا انْتَهَوْا إلى الصراط طفىء نُورُ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ أَشْفَقُوا أن يطفأ نورهم كما طفىء نُورُ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالُوا: رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا، وقال الحسن {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}: يَعْنِي عَلَى الصِّرَاطِ. وقد روى ابن أبي حاتم، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالسُّجُودِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ فَأَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدِي وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَأَعْرِفُ أُمتي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ أُمّتك مِنْ بَيْنِ الأُمم؟ فقال: «أَعْرِفُهُمْ، مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ الأُمم غَيْرِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ يُؤْتَونَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِنُورِهِمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» (أخرجه ابن أبي حاتم). وَقَوْلُهُ: {وَبِأَيْمَانِهِم}، قَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ وَبِأَيْمَانِهِمْ كُتُبُهُمْ كما قال تعالى: {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بيمينه}، وَقَوْلُهُ: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ: بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ، أَيْ لَكُمُ الْبِشَارَةُ بِجَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، {خَالِدِينَ فِيهَا} أَيْ مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْهُ تَعَالَى عَمَّا يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْعَرَصَاتِ مِنَ الْأَهْوَالِ الْمُزْعِجَةِ، وَالزَّلَازِلِ الْعَظِيمَةِ، وَالْأُمُورِ الْفَظِيعَةِ، وَإِنَّهُ لَا يَنْجُو يومئذٍ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَتَرَكَ مَا عَنْهُ زجر.
روى ابن أبي حاتم، عن سليم بن عامر قل: خرجن على جنازة في بب دِمَشْقَ، وَمَعَنَا (أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ) فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ، وَأَخَذُوا فِي دَفْنِهَا، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمْ وَأَمْسَيْتُمْ فِي مَنْزِلٍ تَقْتَسِمُونَ فِيهِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَتُوشِكُونَ أَنْ تَظْعَنُوا مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، وَهُوَ هَذَا - يُشِيرُ إِلَى الْقَبْرِ - بَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ، وَبَيْتُ الدُّودِ، وَبَيْتُ الضِّيقِ، إِلَّا مَا وسع الله، ثم تَنْتَقِلُونَ مِنْهُ إِلَى مُوَاطِنِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّكُمْ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ حَتَّى يَغْشَى النَّاسَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فتبيَضّ وُجُوهٌ، وتسوَدّ وُجُوهٌ، ثُمَّ تَنْتَقِلُونَ منه إلى منزل آخر، فيغشى النَّاسَ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ يُقَسَّمُ النُّورُ، فَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ نُورًا، وَيُتْرَكُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ، فَلَا يُعْطَيَانِ شيئاً، وهو المثل الذي ضربه الله تعالى في كتابه فقال: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} فَلَا يَسْتَضِيءُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ بِنُورِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا لا يستضيء الأعمى ببصر البصير، ويقول الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَآءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً}، وَهِيَ خَدْعَةُ اللَّهِ الَّتِي خَدَعَ بِهَا الْمُنَافِقِينَ حَيْثُ قال: {يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ}، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُسِّمَ فِيهِ النُّورُ فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَيَنْصَرِفُونَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ ضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وظاهره فيه الْعَذَابُ} الْآيَةَ، يَقُولُ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَمَا يَزَالُ الْمُنَافِقُ مُغْتَرًّا حَتَّى يُقَسَّمَ النُّورُ، وَيُمَيِّزَ الله بين المنافق والمؤمن (أخرجه ابن أبي حاتم)، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي ظُلْمَةٍ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ نُورًا، فَلَمَّا رَأْي الْمُؤْمِنُونَ النُّورَ تَوَجَّهُوا نَحْوَهُ، وَكَانَ النُّورُ دَلِيلًا مِنَ اللَّهِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَلَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَدِ انطلقوا