في معنى قوله {والنجم}؛ فروي عن ابن عباس {النَّجْمُ} مَا انْبَسَطَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، يَعْنِي من النبات (وهو قول سعيد بن جبير والسدي وسفيان الثوري واختاره ابن جرير)، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: النَّجْمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ وقَتَادَةُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ} الآية، وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} يَعْنِي الْعَدْلَ، كَمَا قال تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط} وهكذا قال ههنا: {أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ} أَيْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، لِتَكُونَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا بِالْحَقِّ والعدل، ولهذا قال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ} أَيْ لَا تَبْخَسُوا الْوَزْنَ بَلْ زِنُوا بِالْحَقِّ وَالْقِسْطِ، كما قال تعالى: {وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم}.
وقوله تعالى: {والأرض وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} أي السماء أرساها بالجبال الشامخات، لتستقر بما عَلَى وَجْهِهَا مِنَ الْأَنَامِ، وَهُمُ الْخَلَائِقُ الْمُخْتَلِفَةُ أنواعهم وأشكالهم وألوانهم فِي سَائِرِ أَقْطَارِهَا وَأَرْجَائِهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ومجاهد وقتادة: الْأَنَامُ: الْخَلْقُ، {فِيهَا فَاكِهَةٌ} أَيْ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ، {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَنَفْعِهِ رَطْبًا وَيَابِسًا، وَالْأَكْمَامُ: قَالَ ابْنُ عباس: هي أوعية الطلع، وَهُوَ الَّذِي يَطْلُعُ فِيهِ الْقِنْوُ، ثُمَّ يَنْشَقُّ عَنِ الْعُنْقُودِ فَيَكُونُ بُسْرًا ثُمَّ رُطَبًا، ثُمَّ ينضج ويتناهى ينعه واستواؤه، وَقِيلَ الْأَكْمَامُ رُفَاتُهَا، وَهُوَ اللِّيفُ الَّذِي عَلَى عُنُقِ النَّخْلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وقَتَادَةَ، {وَالْحَبُّ ذُو العصف والريحان} قال ابن عباس: {ذُو العصف} يعني التبن، وعنه: العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه، فَهُوَ يُسَمَّى الْعَصْفَ إِذَا يَبِسَ، وَكَذَا قَالَ قتادة والضحاك: عصفة: تبنه، وقال ابن عباس ومجاهد: وَالرَّيْحَانُ يَعْنِي الْوَرَقَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ رَيْحَانُكُمْ هذا، وَمَعْنَى هَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْحَبَّ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا، لَهُ فِي حَالِ نَبَاتِهِ عَصْفٌ وَهُوَ مَا عَلَى السُّنْبُلَةِ، وَرَيْحَانٌ وَهُوَ الْوَرَقُ الْمُلْتَفُّ عَلَى سَاقِهَا، وَقِيلَ: الْعَصْفُ الْوَرَقُ أَوَّلَ مَا يُنْبِتُ الزَّرْعُ بَقْلًا، وَالرَّيْحَانُ الْوَرَقُ يَعْنِي إِذَا أَدْجَنَ وَانْعَقَدَ فِيهِ الْحَبُّ، كَمَا قَالَ زيد بن عمرو ابن نُفَيْلٍ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ:
وَقُولَا لَهُ: مَنْ يُنْبِتُ الْحَبَّ فِي الثَّرَى * فَيُصْبِحُ مِنْهُ الْبَقْلُ يهتز رابيا
ويخرج منه حبه في رؤوسه * فَفِي ذَاكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيَا
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} أَيْ فَبِأَيِّ الْآلَاءِ يَا مَعْشَرَ الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ تُكَذِّبَانِ؟ أَيِ النِّعَمُ ظَاهِرَةٌ عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مَغْمُورُونَ بِهَا، لَا تَسْتَطِيعُونَ إِنْكَارَهَا وَلَا جُحُودَهَا، فَنَحْنُ نَقُولُ كما قالت الجن: «اللَّهُمَّ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ آلَائِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا بِأَيِّهَا يَا رَبِّ، أَيْ لَا نُكَذِّبُ بِشَيْءٍ منها.