أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
- 48 - وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
- 49 - وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ بِالْعِنَادِ وَالْمُكَابَرَةِ لِلْمَحْسُوسِ {وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ السمآء سَاقِطاً} أَيْ عَلَيْهِمْ يُعَذَّبُونَ بِهِ لَمَّا صَدَقُوا وَلَمَّا أَيْقَنُوا، بَلْ يَقُولُونَ هَذَا {سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} أَيْ متراكم، وهذا كقوله: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ}، وقال اللَّهُ تَعَالَى {فَذَرْهُمْ} أَيْ دَعْهُمْ يَا مُحَمَّدُ {حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} أي لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا، لا يجزي عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَيْئًا، {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}. ثم قال تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} أَيْ قبل ذلك في الدار الدنيا كقوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لعلهم يرجعون}، ولهذا قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أَيْ نُعَذِّبُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَنَبْتَلِيهِمْ فِيهَا بِالْمَصَائِبِ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَيُنِيبُونَ، فَلَا يَفْهَمُونَ مَا يُرَادُ بِهِمْ، بَلْ إِذَا جلي عنهم مما كانوا عليه فيه، عادوا إلى أسوأ مما كانوا كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: «إِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ وَعُوفِيَ، مَثَلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَثَلِ الْبَعِيرِ لَا يَدْرِي فِيمَا عَقَلُوهُ وَلَا فِيمَا أرسوله». وقوله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أَيِ اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ وَلَا تُبَالِهِمْ فَإِنَّكَ بِمَرْأًى مِنَّا وَتَحْتَ كَلَاءَتِنَا، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} أَيْ إِلَى الصَّلَاةِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ ولا إله غيرك (قاله الضحّاك وعبد الرحمن بن أسلم)، وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كان يقول: هذا ابتداء الصلاة، وَقَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} أَيْ مِنْ نَوْمِكَ مِنْ فِرَاشِكَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَيَتَأَيَّدُ هَذَا الْقَوْلُ بِمَا رَوَاهُ الإمام أحمد، عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي - أَوْ قَالَ ثُمَّ دَعَا - اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ عَزَمَ فَتَوَضَّأَ ثم صلى قبلت صلاته" (أخرجه أحمد ورواه البخاري وأهل السنن). وقال مُجَاهِدٍ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} قَالَ من كل مجلس، وقال الثوري {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} قَالَ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ قَالَ سبحانك اللهم وبحمدك، وهذا القول كفارة المجالس، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك" (أخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح). وقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} أَيِ اذْكُرْهُ وَاعْبُدْهُ بِالتِّلَاوَةِ والصلاة في الليل، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً}، وقوله تعالى: {وَإِدْبَارَ النجوم} قد تقدم عن ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمَا الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ