وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً

- 21 - وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا

- 22 - وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً

- 23 - سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً

- 24 - وَهُوَ الذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَن أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا

قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ تَأْخُذُونَهَا} هِيَ جَمِيعُ الْمَغَانِمِ إِلَى الْيَوْمِ {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} يَعْنِي فَتْحَ خَيْبَرَ، وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} يَعْنِي صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} أَيْ لَمْ يَنَلْكُمْ سُوءٌ مِمَّا كَانَ أَعْدَاؤُكُمْ أَضْمَرُوهُ لَكُمْ مِنَ الْمُحَارَبَةِ وَالْقِتَالِ، وَكَذَلِكَ كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ الَّذِينَ خلفتموهم وراء ظهوركم عَنْ عِيَالِكُمْ وَحَرِيمِكُمْ

{وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} أَيْ يعتبرون بذلك، فإن الله تعالى حَافِظُهُمْ وَنَاصِرُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْدَاءِ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَلِيَعْلَمُوا بِصَنِيعِ اللَّهِ هَذَا بِهِمْ أَنَّهُ العالم بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَأَنَّ الْخِيَرَةَ فِيمَا يَخْتَارُهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كِرِهُوهُ فِي الظَّاهِرِ، كَمَا قَالَ عزَّ وجلَّ: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} أي بسبب انقيلدكم لأمره واتباعكم طاعته وموافقتكم رسوله صلى الله عليه وسلم، وقوله تبارك وتعالى: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} أَيْ وَغَنِيمَةً أُخْرَى وَفَتْحًا آخَرَ مُعَيَّنًا لَمْ تَكُونُوا تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا، قَدْ يَسَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَأَحَاطَ بِهَا لَكُمْ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَرْزُقُ عِبَادَهُ المتقين مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْغَنِيمَةِ مَا الْمُرَادُ بِهَا؟ فَقَالَ ابن عباس: هي خيبر، وقال الضحاك وقتادة: هي مكة، واختاره ابن جرير، وقال الحسن الْبَصْرِيُّ: هِيَ فَارِسُ وَالرُّومُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة، وقوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} يقول عزَّ وجلَّ مُبَشِّرًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، بِأَنَّهُ لَوْ نَاجَزَهُمُ الْمُشْرِكُونَ لَنَصَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَعِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، وَلَانْهَزَمَ جيش الكفر فَارًّا مُدْبِرًا {لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} لِأَنَّهُمْ مُحَارِبُونَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِحِزْبِهِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قال تبارك وتعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} أَيْ هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ وَعَادَتُهُ فِي خَلْقِهِ، مَا تَقَابَلَ الكفر والإيمان في موطن فيصل، إلا نَصْرِ اللَّهِ الْإِيمَانُ عَلَى الْكُفْرِ، فَرَفَعَ الْحَقَّ وَوَضَعَ الْبَاطِلَ، كَمَا فَعَلَ تَعَالَى يَوْمَ بَدْرٍ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ، نَصَرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مع قلة عدد المسلمين وكثرة المشركين، وقوله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَن أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} هَذَا امْتِنَانٌ من الله تعالى عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، حِينَ كَفَّ أَيْدِيَ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ سُوءٌ، وَكَفَّ أيدي المؤمنين عن الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بَلْ صَانَ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَأَوْجَدَ بَيْنَهُمْ صُلْحًا، فِيهِ خِيَرَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَاقِبَةٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا والآخرة، روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ هَبَطَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة بالسلاح، مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ، يُرِيدُونَ غِرَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ، فَأُخِذُوا، قَالَ عَفَّانُ: فَعَفَا عَنْهُمْ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَهُوَ الَّذِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015