بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ شيء إلا الدين» (أخرجه مسلم في صحيحه). وفي الصحيح: «يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» (أخرجه أبو داود عن أبي الدرداء مرفوعاً)، وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ الشَّهِيدِ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَقَوْلُهُ تبارك وتعالى: {سَيَهْدِيهِمْ} أي إلى الجنة {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} أَيْ أَمْرَهُمْ وَحَالَهُمْ، {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} أَيْ عَرَّفَهُمْ بِهَا وَهَدَاهُمْ إِلَيْهَا، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَهْتَدِي أَهْلُهَا إِلَى بُيُوتِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ، وَحَيْثُ قَسَمَ اللَّهُ لَهُمْ مِنْهَا، لَا يُخْطِئُونَ كأنهم ساكنوها منذ خلقوا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: يَعْرِفُونَ بُيُوتَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ كَمَا تَعْرِفُونَ بُيُوتَكُمْ إِذَا انْصَرَفْتُمْ من الجمعة، وقال مقاتل: بَلَغَنَا أَنَّ الْمَلَكَ الَّذِي كَانَ وُكِّلَ بِحِفْظِ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْجَنَّةِ، وَيَتْبَعُهُ ابْنُ آدَمَ حَتَّى يَأْتِيَ أَقْصَى مَنْزِلٍ هُوَ
لَهُ فَيُعَرِّفُهُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَاهُ الله تعالى فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى أَقْصَى مَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ دَخَلَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَانْصَرَفَ الملك عنه، وقد ورد في الحديث الصحيح بذلك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاضون مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا ذهبوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَهُمْ بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ أَهْدَى مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا» (أخرجه البخاري في صحيحه)، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، كَقَوْلِهِ عزَّ وجلَّ: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن ينصره} فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ بَلَّغَ ذَا سُلْطَانٍ حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إبلاغها، ثبَّت الله تعالى قدميه على الصراط يوم القيامة»، ثم قال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ} عَكْسُ تَثْبِيتِ الْأَقْدَامِ للمؤمنين. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ القطيفة، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ» أَيْ فلا شفاه الله عزَّ وجلَّ، وقوله سبحانه وتعالى: {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أَيْ أَحْبَطَهَا وَأَبْطَلَهَا، وَلِهَذَا قَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} أَيْ لَا يُرِيدُونَهُ وَلَا يُحِبُّونَهُ {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}.