أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} أَيْ نَسْلِي وَعَقِبِي، {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وَهَذَا فِيهِ إِرْشَادٌ لِمَنْ بَلَغَ الْأَرْبَعِينَ أَنْ يُجَدِّدَ التَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ وَيَعْزِمُ عَلَيْهَا، وَقَدْ رَوَى أَبُو داود في سنته عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كان يُعَلِّمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا فِي التَّشَهُّدِ: «اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنِ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ، مُثِنِينَ بِهَا عَلَيْكَ قَابِلِيهَا، وأتممها علينا» (أخرجه أبو داود في السنن). قال الله عزَّ وجلَّ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ في أَصْحَابِ الجنة} أَيْ هَؤُلَاءِ الْمُتَّصِفُونَ بِمَا ذَكَرْنَا، التَّائِبُونَ إِلَى اللَّهِ الْمُنِيبُونَ إِلَيْهِ، الْمُسْتَدْرِكُونَ مَا فَاتَ بِالتَّوْبَةِ والاستغفار، هم الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ، وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ، فَيَغْفِرُ لَهُمُ الْكَثِيرَ مِنَ الزَّلَلِ، ونتقبل مِنْهُمُ الْيَسِيرَ مِنَ الْعَمَلِ {فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} أَيْ هُمْ فِي جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، وَهَذَا حكمهم عند الله كما وعد الله عزَّ وجلَّ من تاب إليه وأناب، ولهذا قال تعالى: {وَعْدَ الصدق الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ}، روى ابن أبي حاتم، عن محمد بن حاطب قال: لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه، وعنده (عمار) و (صعصة) و (الأشتر) و (محمد بن أبي بكر) رَّضِيَ الله عَنْهُمْ، فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه، فكان علي عَلَى السَّرِيرِ وَمَعَهُ عُودٌ فِي يَدِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنْ عِندَكُمْ مِّن يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ، فسألوه، فقال علي رضي الله عنه: كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} قال: والله عثمان وأصحاب عثمان رَّضِيَ الله عَنْهُمْ، قَالَهَا ثَلَاثًا. قَالَ يُوسُفُ: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ حاطب: آللَّهِ لَسمعتَ هَذَا مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه؟ قَالَ: آللَّهِ لَسمعتْ هَذَا مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عنه (أخرجه ابن أبي حاتم).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015