عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مجنون
- 15 - إنا كاشفوا الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ
- 16 - يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ
يَقُولُ تَعَالَى: بَلْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ أَيْ قَدْ جَاءَهُمُ الحق الْيَقِينُ، وَهُمْ يَشُكُّونَ فِيهِ وَيَمْتَرُونَ وَلَا يُصَدِّقُونَ به، ثم قال عزَّ وجلَّ متوعداً لهم ومهدداً: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} قَالَ مسروق: دخلنا المسجد، يعني مسجد الكوفة، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُصُّ عَلَى أَصْحَابِهِ {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} تَدْرُونَ مَا ذَلِكَ الدُّخَانُ؟ ذَلِكَ دُخَانٌ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ شِبْهُ الزُّكَامِ، قال: فأتينا ابن مسعود رضي الله عنه فذكرنا ذلك له، وكان مضطجعاً ففزع منه فَقَعَدَ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قَالَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين}، إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ، سَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَأَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَعْصَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْمَيْتَةَ، وَجَعَلُوا يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَا يَرَوْنَ إِلَّا الدُّخَانَ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ من الجهد، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فَأُتي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فإنها قد هلكت، فاستسقى صلى الله عليه وسلم لهم، فسقوا، فنزلت: {إنا كاشفوا الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ}، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أفيكشف عنهم العذاب يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَلَمَّا أَصَابَهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حالهم، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ} قَالَ: يعني يوم بدر. قال ابن مسعود رضي الله عنه، فَقَدْ مَضَى خَمْسَةٌ: الدُّخَانُ وَالرُّومُ وَالْقَمَرُ وَالْبَطْشَةُ واللزام (الحديث مخرج في الصحيحين، ورواه أحمد والترمذي والنسائي). وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَمْضِ الدُّخَانُ بَعْدُ، بَلْ هُوَ مِنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حديث حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَشْرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عرفة، وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانُ، وَالدَّابَّةُ، وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَخُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَالدَّجَّالُ، وَثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمُشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ - أَوْ تَحْشُرُ النَّاسَ - تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ حيث قالوا" (أخرجه مسلم في صحيحه من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري). وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لابن صياد: «إِنِّي خَبَأْتُ لَكَ خَبَأً»، قَالَ: هُوَ الدُّخ (الدُّخ والدَّخ: الدخان)، فقال صلى الله عليه وسلم لَهُ: «اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» قَالَ: وَخَبَأَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فارتقب يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ}. وعن أبي مالك الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ رَبَّكُمْ أَنْذَرَكُمْ ثَلَاثًا: الدُّخَانَ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَالزُّكْمَةِ، وَيَأْخُذُ الْكَافِرَ، فَيَنْتَفِخُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ مَسْمَعٍ منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال" (أخرجه ابن جرير ورواه الطبراني، وإسناده جيد).