فِي مَعْنَاهُ: إِنَّهُ تَعَالَى مِنْ لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير، وإلى الذكر الْحَكِيمِ وَهُوَ (الْقُرْآنُ) وَإِنْ كَانُوا مُسْرِفِينَ مُعْرِضِينَ عنه، بل أمر ليهتدي به مَنْ قَدَّرَ هِدَايَتَهُ، وَتَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ كتب شقاوته، ثم قال جلَّ وعلا مُسَلِّيًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْذِيبِ مَنْ كذبه من قومه {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ} أَيْ فِي شِيَع الْأَوَّلِينَ {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أَيْ يُكَذِّبُونَهُ وَيَسْخَرُونَ به، {فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً} أَيْ فَأَهْلَكْنَا الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ، وَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ بَطْشًا مِنْ هَؤُلَاءِ المكذبين لك يا محمد، كقوله عزَّ وجلَّ: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وأشد قوة}، والآيات في ذلك كثيرة جداً. وقوله جلَّ جلاله {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: سُنَّتُهُمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: عُقُوبَتُهُمْ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: عِبْرَتُهُمْ: أَيْ جَعَلْنَاهُمْ عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ أَنْ يُصِيبَهُمْ ما أصابهم، كقوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً للآخرين}، وكقوله جلَّت عظمته: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ}، وقوله: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015