مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} أَيْ وَمَنْ شَاكَلَهُمَا مِمَّنْ فَعَلَ كَفِعْلِهِمَا، {إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ}، كقوله تعالى: {وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خلفه} أي مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِأَعْدَائِهِ مِنَ النِّقَمِ، وَمَا أَلْبَسَ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ النِّعَمِ، وَمَعَ هَذَا مَا آمَنُوا وَلَا صَدَّقُوا بَلْ كَذَّبُوا وَجَحَدُوا وَقَالُواْ: {لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً} أَيْ لَوْ أَرْسَلَ اللَّهُ رُسُلًا لَكَانُوا مَلَائِكَةً مِنْ عِنْدِهِ {فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أَيْ أَيُّهَا الْبَشَرُ {كَافِرُونَ} أَيْ لَا نَتَّبِعُكُمْ وَأَنْتُمْ بَشَرٌ مِثْلُنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرض} أَيْ بَغَوْا وَعَتَوْا وَعَصَوْا {وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}؟ أي منوا بشدة تركبيهم وقواهم واعتقدوا أنهم يمتنعون بها مِنْ بَأْسِ اللَّهِ، {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} أَيْ أفما يتفكرون فيمن يبارزون بالعدواة، فَإِنَّهُ الْعَظِيمُ الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ وَرَكَّبَ فِيهَا قواها الحاملة لها، وأن بطشه شديد فَلِهَذَا قَالَ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} قَالَ بعضهم: وهي شديدة الْهُبُوبِ، وَقِيلَ الْبَارِدَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَهَا صَوْتٌ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا مُتَّصِفَةٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا كانت ريحاً شديدة قوية، وكانت باردة شديدة البرد جداً، وكانت ذات صوت مزعج، وقوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} أي متتابعات كقوله: {فِي يَوْمِ نحس مستمر} أَيِ ابتُدِئوا بِهَذَا الْعَذَابِ فِي يَوْمِ نَحْسٍ عَلَيْهِمْ وَاسْتَمَرَّ بِهِمْ هَذَا النَّحْسُ {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أيام حسوماً} حَتَّى أَبَادَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَاتَّصَلَ بِهِمْ خِزْيُ الدنيا بعذاب الآخرة، ولهذا قال: {لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى} أَشَدُّ خِزْيًا لَهُمْ، {وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} أَيْ فِي الأُخرى كَمَا لَمْ يُنْصَرُوا فِي الدُّنْيَا، وقوله عزَّ وجلَّ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} قال ابن عباس: بيّنّا لهم (وهو قول سعيد بن جبير وقتادة والسدي وابن زيد)، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: دَعَوْنَاهُمْ {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} أَيْ بَصَّرْنَاهُمْ وَبَيَّنَّا لَهُمْ ووضَّحنا لَهُمُ الْحَقَّ على لسان نبيّهم صالح عليه الصلاة والسلام، فخالفوه وكذبوه وعقروا ناقة الله تعالى الَّتِي جَعَلَهَا آيَةً وَعَلَامَةً عَلَى صِدْقِ نَبِيِّهِمْ، {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} أَيْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَرَجْفَةً، وَذُلًّا وَهَوَانًا، وَعَذَابًا وَنَكَالًا {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أَيْ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالْجُحُودِ، {وَنَجَّيْنَا الذين آمَنُواْ} أَيْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ لَمْ يَمَسَّهُمْ سُوءٌ، وَلَا نَالَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ، بَلْ نَجَّاهُمُ الله تعالى مع نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام بِإِيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ.