- 8 - إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ

- 9 - وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ

- 10 - وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ

- 11 - إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ

- 12 - إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٌ

يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّا جَعَلَنَا هَؤُلَاءِ الْمَحْتُومَ عَلَيْهِمْ بالشقاء، كمن جُعِلَ فِي عُنُقِهِ غِلٌّ، فَجَمَعَ يَدَيْهِ مَعَ عُنُقِهِ تَحْتَ ذَقَنِهِ، فَارْتَفَعَ رَأْسُهُ فَصَارَ مُقْمَحًا، ولهذا قال تعالى: {فَهُم مُّقْمَحُونَ} وَالْمُقْمَحُ هُوَ الرَّافِعُ رَأْسَهُ، كَمَا قَالَتْ أُمُّ زَرْعٍ فِي كَلَامِهَا: وَأَشْرَبُ فَأَتَقَمَّحُ، أَيْ أَشْرَبُ فَأُرْوَى وَأَرْفَعُ رَأْسِي تَهْنِيئًا وَتَرَوِّيًا، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْغِلِّ فِي الْعُنُقِ عَنْ ذِكْرِ اليدين وإن كانت مُرَادَتَيْنِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا * أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يليني.

فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ الشَّرِّ، لَمَّا دل الكلام والسياق عليه، وهكذا هَذَا، لَمَّا كَانَ الْغُلُّ إِنَّمَا يُعْرَفُ فِيمَا جَمَعَ الْيَدَيْنِ مَعَ الْعُنُقِ اكْتَفَى بِذِكْرِ الْعُنُقِ عن اليدين، قال ابن عباس: هو كقوله عزَّ وجلَّ: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ} يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ أَيْدِيَهُمْ مُوثَقَةٌ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَبْسُطُوهَا بِخَيْرٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَهُم مُّقْمَحُونَ} قال: رافعي رؤوسهم وَأَيْدِيهِمْ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، فَهُمْ مَغْلُولُونَ عَنْ كل خير، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً}، قَالَ مُجَاهِدٌ عن الحق: {ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً} عَنِ الْحَقِّ فَهُمْ يَتَرَدَّدُونَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي الضلالات، وقوله تعالى: {فَأغْشَيْنَاهُمْ} أَيْ أَغْشَيْنَا أَبْصَارَهُمْ عَنِ الْحَقِّ {فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} أَيْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِخَيْرٍ وَلَا يهتدون إليه، قال عبد الرحمن بن زيد: جعل الله تعالى هَذَا السَّدَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، فَهُمْ لَا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ، وَقَرَأَ: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ العذاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015