وَالْمُقْتَصِدُ فِي الْجِنَانِ عِنْدَ اللَّهِ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ في الدرجات عند الله. فَهَذَا مَا تَيَسَّرَ مِنْ إِيرَادِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمَقَامِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنَّ الآية عامة في جميع الأقسام الثلاثة في هذه الأمة، والعلماء أَغْبَطُ النَّاسِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِهَذِهِ الرحمة، فإنهم كما روى الإمام أحمد رحمه الله عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ من أهل المدينة إلى أبي الدرداء رضي الله عنه وَهُوَ بِدِمَشْقَ، فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ أَيْ أَخِي؟ قَالَ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ لِحَاجَةٍ؟ قَالَ" لَا. قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قال رضي الله عنه، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «من سلك طريقاً يطلب فيها علماً سلك الله تعالى بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالَمِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الحِيتان فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالَمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ على سائر الكواكب، وإن الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فمن أخذ به أحذ بحظ وافر» (أخرجه الإمام أحمد ورواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة). وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ (سُورَةِ طه) حَدِيثُ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْعُلَمَاءِ إِنِّي لَمْ أَضَعْ عِلْمِي وَحِكْمَتِي فِيكُمْ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ وَلَا أُبَالِي».