الْحَيَوَانَاتُ مِنَ الْأَنَاسِيِّ (وَالدَّوَابِّ) وَهُوَ كُلُّ مَا دب على القوائم (وَالْأَنْعَامِ) مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِ كَذَلِكَ هِيَ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا، فَالنَّاسُ مِنْهُمْ بَرْبَرٌ وحبوش فِي غَايَةِ السَّوَادِ، وَصَقَالِبَةٌ وَرُومٌ فِي غَايَةِ الْبَيَاضِ، وَالْعَرَبُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَالْهُنُودُ دُونَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ وَالْأَنْعَامُ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ، حَتَّى فِي الجنس الواحد بل النوع الواحد، بَلِ الْحَيَوَانُ الْوَاحِدُ يَكُونُ أَبْلَقَ فِيهِ مِنْ هَذَا اللَّوْنِ، وَهَذَا اللَّوْنِ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخالقين، وقد روى الحافظ البزار في مسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال: أيصبغ ربك؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ صَبْغًا لَا يُنْفَضُّ أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَأَبْيَضَ» (قال ابن كثير: روي مُرْسَلًا وَمَوْقُوفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ)، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} أَيْ إِنَّمَا يَخْشَاهُ حَقَّ خَشْيَتِهِ الْعُلَمَاءُ الْعَارِفُونَ بِهِ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ لِلْعَظِيمِ القدير أَتَمُّ وَالْعِلْمُ بِهِ أَكْمَلَ، كَانَتِ الْخَشْيَةُ لَهُ أعظم وأكثر.
قال ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} قَالَ: الَّذِينَ يَعْلَمُونَ إن الله على كل شيء قدير، وعنه قال: العالم بالرحمن من عباده من لم يترك بِهِ شَيْئًا، وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، وَحَفِظَ وَصِيَّتَهُ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ مُلَاقِيهِ وَمُحَاسَبٌ بِعَمَلِهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْخَشْيَةُ هِيَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْعَالِمُ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبَ اللَّهُ فِيهِ، وَزَهِدَ فِيمَا سَخِطَ اللَّهُ فِيهِ، ثُمَّ تَلَا الْحَسَنُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الْعِلْمُ عَنْ كَثْرَةِ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّ الْعِلْمَ عَنْ كَثْرَةِ الْخَشْيَةِ، وَقَالَ مالك: إِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ نور يجعله الله في القلب، وقال سفيان الثوري: كان يقال: العلماء ثلاثة، عالم بالله وعالم بِأَمْرِ اللَّهِ، وَعَالِمٌ بِاللَّهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَعَالِمٍ بِأَمْرِ اللَّهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِاللَّهِ، فَالْعَالِمُ بِاللَّهِ وَبِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي يَخْشَى اللهَ تعالى وَيَعْلَمُ الْحُدُودَ وَالْفَرَائِضَ، وَالْعَالِمُ بِاللَّهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ وَلَا يَعْلَمُ الحدود والفرائض، وَالْعَالِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِاللَّهِ الَّذِي يَعْلَمُ الْحُدُودَ وَالْفَرَائِضَ وَلَا يَخْشَى اللَّهَ عزَّ وجلَّ.