يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَمَادِي الْكُفَّارِ فِي طُغْيَانِهِمْ وعنادهم، وإصرارهم عل عدم الإيمان بالقرآن الكريم، وبما أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلاَ بالذي بَيْنَ يَدَيْهِ} قَالَ الله عزَّ وجلَّ مُتَهَدِّدًا لَهُمْ وَمُتَوَعِّدًا وَمُخْبِرًا عَنْ مَوَاقِفِهِمُ الذَّلِيلَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي حَالِ تُخَاصِمِهِمْ وَتَحَاجِّهِمْ، {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلِ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} وهم الأتباع {لِلَّذِينَ استكبروا} منهم وَهُمْ قَادَتُهُمْ وَسَادَتُهُمْ: {لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} أَيْ لَوْلَا أَنْتُمْ تَصُدُّونَا لَكُنَّا اتَّبَعْنَا الرُّسُلَ، وَآمَنَّا بِمَا جَاءُونَا بِهِ، فَقَالَ لَهُمُ الْقَادَةُ وَالسَّادَةُ وَهُمُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا {أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ}، أَيْ نَحْنُ مَا فَعَلْنَا بِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّا دَعَوْنَاكُمْ فَاتَّبَعْتُمُونَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَخَالَفْتُمُ الْأَدِلَّةَ والبراهين والحجج التي جاءت بها الرسل لِشَهْوَتِكُمْ وَاخْتِيَارِكُمْ لِذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالُوا: {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أَيْ بَلْ كُنْتُمْ تَمْكُرُونَ بنا ليلاً ونهاراً، وتغرّونا وَتُخْبِرُونَا أَنَّا عَلَى هُدًى وَأَنَّا عَلَى شَيْءٍ، فإذا اجتمع ذَلِكَ بَاطِلٌ وَكَذِبٌ وَمَيْنٌ، قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} يَقُولُ بَلْ مكركم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، {إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} أَيْ نُظَرَاءَ وَآلِهَةً مَعَهُ وتقيموا لنا شبهاً وأشياء تُضِلُّونَا بِهَا، {وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ} أَيِ الْجَمِيعُ مِنَ السَّادَةِ وَالْأَتْبَاعِ كُلٌّ نَدِمَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ، {وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَهِيَ السَّلَاسِلُ الَّتِي تَجْمَعُ أَيْدِيهِمْ مَعَ أَعْنَاقِهِمْ، {هَلْ
يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أَيْ إِنَّمَا نُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، كلٌ بِحَسْبِهِ لِلْقَادَةِ عَذَابٌ بِحَسْبِهِمْ، وَلِلْأَتْبَاعِ بِحَسْبِهِمْ، {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ} قال ابن أبي حاتم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن جهنم لما سيق إليها تلقَّاهم لَهَبُهَا، ثُمَّ لَفَحَتْهُمْ لَفْحَةً فَلَمْ يَبْقَ لهم لحم إلا سقط على العرقوب» (أخرجه ابن أبي حاتم).