هَذِهِ إِحْدَى الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي لَا رَابِعَ لهن، مما أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْسِمَ بِرَبِّهِ الْعَظِيمِ عَلَى وُقُوعِ الْمَعَادِ، لَمَّا أَنْكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ، فَإِحْدَاهُنَّ في سورة يونس، وهي قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أنتم معجزين}، وَالثَّانِيَةُ هَذِهِ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}، وَالثَّالِثَةُ فِي سورة التغابن وهي قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ}، فقال تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}، ثُمَّ وَصَفَهُ بِمَا يؤكد ذلك ويقرره فقال: {عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ} لَا يَغِيبُ عَنْهُ، أَيِ الْجَمِيعُ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ علمه فلا يخفى عليه شَيْءٌ، فَالْعِظَامُ وَإِنْ تَلَاشَتْ وَتَفَرَّقَتْ وَتَمَزَّقَتْ، فَهُوَ عَالِمٌ أَيْنَ ذَهَبَتْ وَأَيْنَ تَفَرَّقَتْ، ثُمَّ يُعِيدُهَا كَمَا بَدَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَإِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. ثُمَّ بيَّن حِكْمَتَهُ فِي إِعَادَةِ الْأَبْدَانِ وقيام الساعة بقوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ سَعَوْاْ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} أَيْ سَعَوْا فِي الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ الله تعالى وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} أَيْ لِيُنَعِّمَ السُّعَدَاءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَيُعَذِّبَ الأشقياء من الكافرين، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الجنة هُمْ الفائزون}. وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كالفجار}؟ وقوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} هَذِهِ حِكْمَةٌ أُخْرَى مَعْطُوفَةٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا شَاهَدُوا قِيَامَ السَّاعَةِ وَمُجَازَاةَ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ رأوه حينئذ عين اليقين، ويقولون يومئذ {لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق}، {وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} الْعَزِيزُ هُوَ الْمَنِيعُ الْجَنَابِ الَّذِي لَا يُغَالَبُ وَلَا يُمَانَعُ، بل قد قهر كل شيء وغلبه، الْحَمِيدُ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، وهو المحمود في ذلك كله جلَّ وعلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015