يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي تَعَنُّتِهِمْ، وَطَلَبِهِمْ آيَاتٍ يَعْنُونَ تُرْشِدُهُمْ إِلَى أَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، كما أتى صالح بناقته، قال تَعَالَى: {قُلْ} يَا مُحَمَّدُ {إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ} أَيْ إِنَّمَا أَمْرُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّكُمْ تَهْتَدُونَ لَأَجَابَكُمْ إِلَى سؤالكم، لأن هذا سَهْلٌ عَلَيْهِ يَسِيرٌ لَدَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْكُمْ أنكم إنما قضدتم التَّعَنُّتُ وَالِامْتِحَانُ، فَلَا يُجِيبُكُمْ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ * وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بها}، وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أَيْ إِنَّمَا بعثت نذيراً لكم فعلي أن أبلغكم رسالة الله تعالى، و {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد}، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُبَيِّنًا كَثْرَةَ جَهْلِهِمْ وَسَخَافَةَ عَقْلِهِمْ، حَيْثُ طَلَبُوا آيَاتٍ تَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما جاءهم، وَقَدْ جَاءَهُمْ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ، الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مُعْجِزَةٍ، إِذْ عَجَزَتِ الْفُصَحَاءُ وَالْبُلَغَاءُ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، بَلْ عَنْ مُعَارَضَةِ سُورَةٍ مِنْهُ، فَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عليهم} (أخرجه ابن جرير وغيره قال: جاء أناس من المسلمين بكتب كتبوا فيها بعض ما سمعوه من الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم، إلى ما جاء به غيره» فنزلت رأولم يكفهم ... } أَيْ أَوْلَمَ يَكْفِهِمْ آيَةً إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ الْعَظِيمَ الَّذِي فِيهِ خَبَرُ مَا قَبْلَهُمْ وَنَبَأُ مَا بَعْدَهُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَهُمْ، وَأَنْتَ رَجُلٌ أُمِّيٌّ لَا تَقْرَأُ وَلَا تَكْتُبُ وَلَمْ تُخَالِطْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَجِئْتَهُمْ بِأَخْبَارِ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى بِبَيَانِ الصَّوَابِ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبِالْحَقِّ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ الْجَلِيِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بني إسرائيل}، وقال تعالى: {وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آية مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى} وفي الصحيح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ من بني إِلَّا قَدْ أُعطي مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يوم القيامة" (أخرجه الشيخان والإمام أحمد). وقد قال تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أَيْ إِنَّ فِي هَذَا الْقُرْآنِ {لَرَحْمَةً} أي بياناً للحق وإزاحة للباطل {وذكرى} بِمَا فِيهِ حُلُولُ النِّقَمَاتِ وَنُزُولُ الْعِقَابِ بِالْمُكَذِّبِينَ والعاصين لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} أَيْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ مِنَ التَّكْذِيبِ، وَيَعْلَمُ مَآ أَقُولُ لَكُمْ مِنْ إِخْبَارِي عَنْهُ بِأَنَّهُ أَرْسَلَنِي، فلو كنت كاذباً عليه لا نتقم مِنِّي، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمن ثم قطعنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين}، وَإِنَّمَا أَنَا صَادِقٌ عَلَيْهِ فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، وَلِهَذَا أَيَّدَنِي بِالْمُعْجِزَاتِ الْوَاضِحَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَاتِ {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِاللَّهِ أولئك هُمُ الخاسرون} أي يوم القيامة سَيَجْزِيهِمْ عَلَى مَا فَعَلُوا وَيُقَابِلُهُمْ عَلَى مَا صنعوا، في تَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ، كَذَّبُوا بِرُسُلِ اللَّهِ مَعَ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَآمَنُوا بِالطَّوَاغِيتِ والأوثان بلا دليل، فسيجزيهم عَلَى ذَلِكَ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.