- 34 - إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
- 35 - وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
لِمَا اسْتَنْصَرَ (لوط) عليه السلام بالله عزَّ وجلَّ عَلَيْهِمْ بَعَثَ اللَّهُ لِنُصْرَتِهِ مَلَائِكَةً، فَمَرُّوا عَلَى (إبراهيم)، عليه السلام في هيئة أضياف، فجاءتهم بما ينبغي للضيف، فلما رأى إبراهيم أَنَّهُ لَا هِمَّةَ لَهُمْ إِلَى الطَّعَامِ نَكِرَهُمْ، وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً، فَشَرَعُوا يُؤَانِسُونَهُ وَيُبَشِّرُونَهُ بِوُجُودِ وَلَدٍ صَالِحٍ
مِنَ امْرَأَتِهِ سَارَّةَ، وَكَانَتْ حَاضِرَةً فَتَعَجَّبَتْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سورة هود والحجر، فَلَمَّا جَاءَتْ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى وَأَخْبَرُوهُ بِأَنَّهُمْ أُرْسِلُوا لِهَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ أَخَذَ يُدَافِعُ لَعَلَّهُمْ يُنْظَرُونَ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ، وَلَمَّا قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً، قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} أَيْ مِنَ الْهَالِكِينَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُمَالِئُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وبغيهم، ثُمَّ سَارُوا مِنْ عِنْدِهِ فَدَخَلُوا عَلَى (لُوطٍ) في صورة شبان حِسَانٍ، فَلَمَّا رَآهُمْ كَذَلِكَ {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} أي اغتم بِأَمْرِهِمْ إِنْ هُوَ أَضَافَهُمْ خَافَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُمْ خَشِيَ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ، ولم يعلم بأمرهم إلاَّ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ {قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}، وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اقتلع قراهم من قرار الأرض ثُمَّ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ منضود، وَجَعَلَ اللَّهُ مَكَانَهَا بُحَيْرَةً خَبِيثَةً مُنْتِنَةً، وَجَعَلَهُمْ عِبْرَةً إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ، وَهُمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْمَعَادِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً} أَيْ وَاضِحَةً {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وبالليل أفلا تعقلون}؟