مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ} أَيْ مَا يَشَاءُ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَالْأُمُورُ كُلُّهَا خَيْرُهَا وَشَرُّهَا بِيَدِهِ وَمَرْجِعُهَا إِلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: {مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} نَفْيٌ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ}، وَلِهَذَا قَالَ: {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أَيْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ الَّتِي لَا تَخْلُقُ ولا تختار شيئاً، ثم قال تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} أَيْ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ الضَّمَائِرُ، وَمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ السَّرَائِرُ، كَمَا يَعْلَمُ مَا تُبْدِيهِ الظَّوَاهِرُ مِنْ سَائِرِ الْخَلَائِقِ {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}، وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أَيْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِلَهِيَّةِ، فَلَا مَعْبُودَ سِوَاهُ، كما لا رب سِوَاهُ، {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ} أَيْ فِي جَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ هُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ بعدله وَحِكْمَتِهِ، {وَلَهُ الْحُكْمُ} أَيِ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لَهُ لِقَهْرِهِ وَغَلَبَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحِمَتِهِ، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي جميعكم يوم القيامة، فيجزي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ.