رواء تتبعوني؟ فقالوا: نعم، قال: فانطلق بهم وأوردهم رياضاً معشبة رُوَاءً، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَسَمِنُوا، فَقَالَ لَهُمْ: أَلَمْ ألفَكم عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَجَعَلْتُمْ لِي إِنْ وَرَدْتُ بكم رياضاً معشبة رِوَاءً أَنْ تَتَّبِعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ رِيَاضًا أَعْشَبُ مِنْ هَذِهِ، وَحِيَاضًا هِيَ أَرَوَى مِنْ هَذِهِ، فَاتَّبِعُونِي، قَالَ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: صَدَقَ وَاللَّهِ لنتبعنَّه، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قَدْ رَضِينَا بِهَذَا نُقِيمُ عَلَيْهِ (أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس مرفوعاً). وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي مُمْسِكٌ بِحَجْزِكُمْ هلَّم عَنِ النَّارِ، هلَّم عن النار وتغلبونني، تتقاحمون فِيهَا تَقَاحُمَ الْفَرَاشَ وَالْجَنَادِبِ، فَأُوشِكُ أَنْ أُرْسِلَ حَجْزَكُمْ وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فترِدون عَلَيَّ مَعًا وَأَشْتَاتًا، أَعْرِفُكُمْ بِسِيمَاكُمْ وَأَسْمَائِكُمْ كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الْغَرِيبَ مِنَ الْإِبِلِ فِي إِبِلِهِ، فَيُذْهَبُ بِكُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأُنَاشِدُ فِيكُمْ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَيْ رَبِّ قَوْمِي، أَيْ رَبِّ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي ما أحدثوا بعدك، إنهم كانوا بعدك يمشون القهقرى على أعقابهم" (أخرجه الحافظ الموصلي وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الإسناد). وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} أَيْ لَعَادِلُونَ جَائِرُونَ مُنْحَرِفُونَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: نَكَبَ فَلَانٌ عَنِ الطَّرِيقِ إِذَا زَاغَ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ غِلَظِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ، بِأَنَّهُ لَوْ أزاح عنهم الضر وَأَفْهَمَهُمُ الْقُرْآنَ لَمَا انْقَادُوا لَهُ، وَلَاسْتَمَرُّوا عَلَى كفرهم وعنادهم وطيغانهم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} فَهَذَا مِنْ بَابِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِمَا لَا يكون لو كان كيف يكون، قال ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا فِيهِ (لَوْ) فَهُوَ مِمَّا لَا يَكُونُ أَبَدًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015