- 30 - أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ
- 31 - وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
- 32 - وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ
- 33 - وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ، فِي خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ وَقَهْرِهِ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ فَقَالَ: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} أَيِ الجاهدون لِإِلَهِيَّتِهِ الْعَابِدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِالْخَلْقِ الْمُسْتَبِدُّ بِالتَّدْبِيرِ، فَكَيْفَ يليق أن يعبد معه غيره أو يشرك به ما سواه؟ ألو يَرَوْا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ {كَانَتَا رَتْقًا} أَيْ كَانَ الْجَمِيعُ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَلَاصِقٌ مُتَرَاكِمٌ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، فَفَتَقَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ فَجَعَلَ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا وَالْأَرْضَ سبعً، وفصل بين السماء الدُّنْيَا وَالْأَرْضِ بِالْهَوَاءِ، فَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ وَأَنْبَتَتِ الْأَرْضُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} أَيْ وَهُمْ يُشَاهِدُونَ الْمَخْلُوقَاتِ تحدث شيئاً فشيئاً عياناً، وذلك كله دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الْقَادِرِ على ما يشاء:
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةً * تَدُلُّ عَلَى أنه واحد
عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ، سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّيْلُ كان قبل أو النهار؟ فقال: أرأيتم السماوت الأرض حِينَ كَانَتَا رَتْقًا هَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا إِلَّا ظُلْمَةٌ؟ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّيْلَ قَبْلَ النَّهَارِ. وروى ابن أبي حاتم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ يَسْأَلُهُ عن السماوات والأرض كانت رقتاً فَفَتَقْنَاهُمَا؟ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ، فَاسْأَلْهُ، ثُمَّ تَعَالَ فَأَخْبِرْنِي بِمَا قَالَ لَكَ، قَالَ، فَذَهَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ، كَانَتِ السَّمَاوَاتُ رَتْقًا لَا تُمْطِرُ وَكَانَتْ الْأَرْضُ رَتْقًا لَا تُنْبِتُ، فَلَمَّا خَلَقَ لِلْأَرْضِ أَهْلًا فَتَقَ هَذِهِ بِالْمَطَرِ وَفَتْقَ هَذِهِ بِالنَّبَاتِ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فقال ابْنُ عُمَرَ، قَدْ كُنْتُ أَقُولُ: مَا يُعْجِبُنِي جراءة ابن عباس في تفسير القرآن فالآن عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ أُوتِيَ فِي الْقُرْآنِ عِلْمًا، وقال عطية العوفي: كانت هذه رتقاً تُمْطِرُ فَأَمْطَرَتْ وَكَانَتْ هَذِهِ رَتْقًا لَا تُنْبِتُ فأنبتت، وقال سعيد بن جبير: كَانَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ مُلْتَزِقَتَيْنِ فَلَمَّا رَفَعَ السَّمَاءَ وَأَبْرَزَ مِنْهَا الْأَرْضَ كَانَ ذَلِكَ فَتْقَهُمَا الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: كَانَتَا جَمِيعًا فَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْهَوَاءِ، وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} أَيْ أصل كل الأحياء. عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي، فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِن مَّآءٍ» قَالَ، قُلْتُ: أَنْبِئْنِي عَنِ أمرٍ إِذَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلَتُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «أَفْشِ السَّلَامَ، وَأَطْعِمِ الطَّعَامَ، وَصِلِ الْأَرْحَامَ، وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، ثُمَّ ادْخُلِ الْجَنَّةَ بسلام» (الحديث أخرجه الإمام أحمد وإسناده على شرط الصحيحين، وأخرج ابن أبي حاتم بعضه).
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} أَيْ جِبَالًا أَرْسَى الأرض بها وَثَقَّلَهَا لِئَلَّا تَمِيدَ بِالنَّاسِ أَيْ تَضْطَرِبَ