{قَالَ} الْخَضِرُ لِمُوسَى {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} أي إنك لا تقدر على مصاحبتي لِمَا تَرَى مِنِّي مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُخَالِفُ شَرِيعَتَكَ، لِأَنِّي عَلَى عِلْمٍ مَنْ عِلْمِ اللَّهِ مَا عَلَّمَكَهُ اللَّهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مَنْ عِلْمِ اللَّهِ مَا عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ، فَكُلٌّ مِنَّا مُكَلَّفٌ بِأُمُورٍ مِنَ اللَّهِ دُونَ صَاحِبِهِ، وَأَنْتَ لَا تَقْدِرُ عَلَى صُحْبَتِي {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} فَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّكَ سَتُنْكِرُ عليَّ مَا أَنْتَ مَعْذُورٌ فِيهِ، وَلَكِنْ مَا اطَّلَعَتْ عَلَى حِكْمَتِهِ وَمَصْلَحَتِهِ الْبَاطِنَةِ، التي اطلعت أنا عليها دونك، {قَالَ} أي مُوسَى {سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ صَابِراً} أَيْ عَلَى مَا أَرَى مِنْ أُمُورِكَ، {وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً} أَيْ وَلَا أُخَالِفُكَ فِي شَيْءٍ، فعند ذلك شارطه الخضر عليه السلام {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ} أَيْ ابْتِدَاءً {حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} أَيْ حَتَّى أَبْدَأَكَ أَنَا بِهِ، قَبْلَ أَنْ تسألني. عن ابن عباس قَالَ: سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ عزَّ وجلَّ فقال: أي رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي يَذْكُرُنِي وَلَا يَنْسَانِي، قَالَ فَأَيُّ عِبَادِكَ أَقَضَى؟ قَالَ: الَّذِي يَقْضِي بِالْحَقِّ وَلَا يَتَّبِعُ الْهَوَى، قَالَ: أَيْ رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَعْلَمُ؟ قَالَ: الَّذِي يَبْتَغِي عِلْمَ النَّاسِ إِلَى عِلْمِهِ عَسَى أَنْ يُصِيبَ كَلِمَةً تَهْدِيهِ إِلَى هُدًى أَوْ تَرُدُّهُ عَنْ رَدًى، قَالَ، أَيْ رَبٍّ: هَلْ فِي أَرْضِكَ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، قال: فمن هو؟ قال: الخضر، قال: وأين أَطْلُبُهُ؟ قَالَ: عَلَى السَّاحِلِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ الَّتِي يَنْفَلِتُ عِنْدَهَا الْحُوتُ، قَالَ، فَخَرَجَ مُوسَى يَطْلُبُهُ حَتَّى كَانَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ وَانْتَهَى مُوسَى إِلَيْهِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صاحبه، فقال له موسى: إني أحب أن أصحبك، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُطِيقَ صُحْبَتِي. قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَإِنْ صَحِبْتَنِي {فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً}، قَالَ فَسَارَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَجْمَعِ البحرين، وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَكَانٌ أَكْثَرُ مَاءً مِنْهُ، قَالَ، وَبَعَثَ اللَّهُ الْخُطَّافَ، فَجَعَلَ يَسْتَقِي مِنْهُ بِمِنْقَارِهِ، فَقَالَ لِمُوسَى: كَمْ تَرَى هَذَا الْخُطَّافَ رَزَأَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ؟ قَالَ: مَا أَقَلَّ مَا رَزَأَ، قَالَ: يَا مُوسَى فَإِنَّ عِلْمِي وَعِلْمَكَ فِي عِلْمِ اللَّهِ كَقَدْرِ مَا اسْتَقَى هَذَا الْخُطَّافُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ، وَكَانَ مُوسَى قَدْ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِهِ، فَمِنْ ثَمَّ أُمِرَ أَنْ يَأْتِيَ الْخَضِرَ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي خَرْقِ السَّفِينَةِ، وَقَتْلِ الْغُلَامِ، وَإِصْلَاحِ الْجِدَارِ، وَتَفْسِيرِهِ له ذلك (أخرجه ابن جرير عن ابن عباس).