- 18 - وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً

ذكر أَنَّهُمْ لَمَّا ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ بِالنَّوْمِ، لم تنطبق أعينهم لئلا يسرع إليهم البلى، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يُقَلَّبُونَ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ لَمْ يُقَلَّبُوا لَأَكْلَتْهُمُ الأرض، وقوله: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} الوصيد الفناء، وقال ابن عباس: بالباب، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَحْرُسُ عَلَيْهِمُ الْبَابَ، وَهَذَا مِنْ سَجِيَّتِهِ وَطَبِيعَتِهِ حَيْثُ يَرْبِضُ بِبَابِهِمْ، كَأَنَّهُ يَحْرُسُهُمْ، وَكَانَ جُلُوسُهُ خَارِجَ الْبَابِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، كَمَا وَرَدَ في الصحيح، ولا صورة ولا جنب، وَشَمَلَتْ كَلْبَهُمْ بَرَكَتُهُمْ فَأَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ النوم على تلك الحال، وهذه فَائِدَةُ صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ فَإِنَّهُ صَارَ لِهَذَا الْكَلْبِ ذكر وخبر وشأن، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى أَلْقَى عَلَيْهِمُ الْمَهَابَةَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ نَظَرُ أَحَدٍ عَلَيْهِمْ إِلَّا هَابَهُمْ لِمَا أُلْبِسُوا مِنَ الْمَهَابَةِ وَالذُّعْرِ، لِئَلَّا يَدْنُوَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَا تَمَسَّهُمْ يَدُ لَامِسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ، وَالرَّحْمَةِ الواسعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015