عَلَى صِدْقِ مَا جِئْتُكَ بِهِ، {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُوراً} أَيْ هَالِكًا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَقَالَ ابن عباس: ملعوناً، وقال الضحّاك {مَثْبُوراً}: أي مغلوباً (وهو قول لابن عباس أيضاً)، وَالْهَالِكُ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، يَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ. ويدل عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتِّسْعِ الْآيَاتِ إِنَّمَا هِيَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْعَصَا وَالْيَدِ وَالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ وَالطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ والقُمّل وَالضَّفَادِعِ وَالدَّمِ، الَّتِي فِيهَا حُجَجٌ وَبَرَاهِينُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَخَوَارِقُ وَدَلَائِلُ عَلَى صِدْقِ مُوسَى وَوُجُودِ الفاعل المختار الذي أرسله، وَقَوْلُهُ: {فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ} أَيْ يُخْلِيَهُمْ مِنْهَا وَيُزِيلَهُمْ عَنْهَا {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ}، وَفِي هَذَا بِشَارَةٌ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَتْحِ مَكَّةَ مَعَ أَنَّ السُّورَةَ مكية، نَزَلَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ هَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ مِنْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ منها} الآيتين، وَلِهَذَا أَوْرَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مَكَّةَ فَدَخَلَهَا عَنْوَةً وَقَهَرَ أَهْلَهَا ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ حِلْمًا وَكَرَمًا، كَمَا أَوْرَثَ اللَّهُ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَأَوْرَثَهُمْ بِلَادَ فِرْعَوْنَ وَأَمْوَالَهُمْ وَزُرُوعَهُمْ وَثِمَارَهُمْ وَكُنُوزَهُمْ، كَمَا قَالَ: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بني إسرائيل، وقال ههنا: {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} أَيْ جَمِيعُكُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوُّكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَفِيفاً} أي جميعاً (وهو قول مجاهد وقتادة والضحّاك).