لهذا القول بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يستنزه مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً
ثُمَّ قَالَ: "لعله يخفف عنهما ما لم يبسا (أخرجه الشيخان عن ابن عباس مرفوعاً)، قال بعض من تكلم عن هذا الحديث من العلماء، إما قَالَ مَا لَمْ يَيْبَسَا: لِأَنَّهُمَا يُسَبِّحَانِ مَا دَامَ فِيهِمَا خُضْرَةٌ فَإِذَا يَبِسَا انْقَطَعَ تَسْبِيحُهُمَا، والله أعلم. وقوله: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} أي أنه لَا يُعَاجِلُ مَنْ عَصَاهُ بِالْعُقُوبَةِ، بَلْ يُؤَجِّلُهُ وَيُنْظِرُهُ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ عَلَى كُفْرِهِ وَعِنَادِهِ أَخَذَهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} الآية. وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ} الآية. وقال: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ}: الآيتينن وَمَنْ أَقْلَعَ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ كُفْرٍ أَوْ عِصْيَانٍ وَرَجَعَ إِلَى اللَّهِ وَتَابَ إِلَيْهِ، تَابَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ} الآية. وقال ههنا: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} كَمَا قَالَ فِي آخِرِ فَاطِرٍ: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولاَ، وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُورًا} إِلَى أَنْ قَالَ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ} إلى آخر السورة.