- 187 - أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

هَذِهِ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ، وَرَفْعٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُهُمْ إِنَّمَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ أَوْ يَنَامُ قَبْلَ ذَلِكَ فَمَتَى نَامَ أَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، فَوَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةً كَبِيرَةً، والرفثُ هُنَا هُوَ الْجِمَاعُ قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد. وَقَوْلُهُ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} قال ابن عباس: يَعْنِي هُنَّ سَكَنٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ سَكَنٌ لَهُنَّ، وقال الربيع: هُنَّ لِحَافٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِحَافٌ لَهُنَّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُخَالِطُ الْآخَرَ وَيُمَاسُّهُ وَيُضَاجِعُهُ، فَنَاسَبَ أَنْ يُرَخَّصَ لَهُمْ فِي الْمُجَامَعَةِ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ لِئَلَّا يَشُقَّ ذَلِكَ عليهم ويحرجوا.

وكان السبب في نزول هذه الآية ما روي إِنَّ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ إِلَى مِثْلَهَا، وَإِنَّ (قَيْسَ بْنَ صرمة) الأنصاري كان صائماً وكان يومه ذلك يَعْمَلُ فِي أَرْضِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارَ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا ولكنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ، وَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ نَائِمًا قَالَتْ: خَيْبَةٌ لَكَ أَنِمْتَ؟ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرفث إلى نِسَآئِكُمْ - إلى قوله - وكلو وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شديداً، ولفظ البخاري عن الْبَرَاءَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ -[165]- وَعَفَا عَنْكُمْ} وعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا صلُّوا الْعِشَاءَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ النِّسَاءُ وَالطَّعَامُ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْقَابِلَةِ، ثُمَّ إِنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَصَابُوا مِنَ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فالآن بَاشِرُوهُنَّ} الآية.

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَآئِكُمْ} قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ هَذِهِ الْآيَةُ إِذَا صلُّوا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ حَتَّى يُفْطِرُوا، وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَهْلَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وإن (صرمة بن قيس) الأنصاري غلبته عيناه بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَنَامَ، وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الطَّعَامِ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ فَقَامَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} يَعْنِي بِالرَّفَثِ مُجَامَعَةُ النِّسَاءِ، {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يَعْنِي تُجَامِعُونَ النِّسَاءَ وَتَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ بَعْدَ الْعِشَاءِ، {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عنك فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} يَعْنِي جَامِعُوهُنَّ {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يَعْنِي الْوَلَدُ، {وَكُلُواْ وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فَكَانَ ذَلِكَ عفواً من الله ورحمة، وقال ابن جرير: كَانَ النَّاسُ فِي رَمَضَانَ إِذَا صَامَ الرَّجُلُ فَأَمْسَى فَنَامَ حُرِّمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ حَتَّى يُفْطِرَ مِنَ الْغَدِ، فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ سَمُرَ عِنْدَهُ، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ نَامَتْ فَأَرَادَهَا فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ، فَقَالَ: مَا نِمْتِ، ثُمَّ وَقَعَ بِهَا. وَصَنَعَ (كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ) مِثْلَ ذَلِكَ فَغَدَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فالآن بَاشِرُوهُنَّ} (أخرجه ابن جرير عن كعب بن مالك) الآية. فَأَبَاحَ الْجِمَاعَ وَالطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ رحمة ورخصة ورفقاً.

وقوله تعالى: {وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَّكُمْ} قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة: يعني الولد، وقال عبد الرحمن ابن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يعني الجماع، وقال قتادة: ابتغوا الرخصة التي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، يَقُولُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لكم. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْآيَةَ أَعَمُّ مِنْ هذا كله.

قوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، أَبَاحَ تَعَالَى الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِبَاحَةِ الْجِمَاعِ، فِي أَيِّ اللَّيْلِ شَاءَ الصَّائِمُ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ ضِيَاءُ الصَّبَاحِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَرَفَعَ اللبس بقوله: {مِنَ الفجر}، كان رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ فَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتَهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بعدُ {مِنَ الْفَجْرِ} فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ والنهار (أخرجه البخاري عن سهل بن سعد) وعن عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَكُلُواْ وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} عَمَدْتُ إِلَى عِقَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَسْوَدُ وَالْآخَرُ أَبْيَضُ، قَالَ: فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وسادتي، قال: فجعلت أنظر إليهما فلما تبيَّن لي الأبيض من الأسود أمسكت فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت فقال: «إن وسادك إذن لعريض إنما ذلك بياض -[166]- النهار من سواد الليل» (أخرجاه في الصحيحين) وَجَاءَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: «إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا» ففسره بعضهم بالبلادة، ويفسره رواية البخاري أيضاً قَالَ: "إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَا، بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وبياض النهار".

(فصل)

وَفِي إِبَاحَتِهِ تَعَالَى جَوَازَ الْأَكْلِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ السُّحُورِ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرُّخْصَةِ وَالْأَخْذُ بِهَا مَحْبُوبٌ وَلِهَذَا وَرَدَتِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحث على السحور. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أنَس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةٌ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الكتاب أكلة السحور»، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعوه وَلَوْ أَنَّ أحدكم تجرَّع جرعة مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» (رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري) ويستحب تأخيره كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قمنا إلى الصلاة، فقال أنَس قُلْتُ لزيدٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ والسحور؟ قال: قدر خمسين آية. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ وأخروا السحور» (رواه أحمد عن أبي ذر الغفاري).

وحكى ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا يَجُوزُ الْإِفْطَارُ بِغُرُوبِهَا. (قُلْتُ): وَهَذَا الْقَوْلُ مَا أَظُنُّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَقِرُّ لَهُ قَدَمٌ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: {وَكُلُواْ واشربوا حتى يتبين لكن الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَمْنَعُكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ عَنْ سُحُورِكُمْ فَإِنَّهُ يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يؤذِّن حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ - لعمود الصبح - حتى يستطير» (رواه مسلم عن سمرة بن جندب) وعن عطاء: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُمَا فَجْرَانِ فَأَمَّا الذِي يَسْطَعُ فِي السَّمَاءِ فَلَيْسَ يُحِلُّ وَلَا يحرم شيئاً، ولكن الفجر الذي يستنير عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ هُوَ الذِي يُحَرِّمُ الشَّرَابَ، وقال عَطَاءٌ: فَأَمَّا إِذَا سَطَعَ سُطُوعًا فِي السَّمَاءِ وَسُطُوعُهُ أَنْ يَذْهَبَ فِي السَّمَاءِ طُولًا فَإِنَّهُ لا يحرم به شراب للصائم ولا صلاة ولا يفوت به الحج، وَلَكِنْ إِذَا انْتَشَرَ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ حَرَّمَ الشَّرَابَ لِلصِّيَامِ وَفَاتَ الْحَجُّ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.

(مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ جعْله تَعَالَى الفجرَ غَايَةً لِإِبَاحَةِ الْجِمَاعِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِمَنْ أَرَادَ الصِّيَامَ، يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلْيَغْتَسِلْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا، لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ -[167]- وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وأُم سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَتَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جماع من غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ، وَفِي حَدِيثِ (أُم سَلَمَةَ) عِنْدَهُمَا ثُمَّ لَا يُفْطِرُ وَلَا يقضي.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} يقتضي الإفطار عند غروب الشمس كما جاء في الصحيحين: «إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» (أخرجه الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "يقول الله عزَّ وجلَّ: أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً" (أخرجه أحمد والترمذي) وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ النَّهْيُ عَنِ الوصال، وهو أن يصل يوماً بيوم آخر ولا يأكل بينهما شيئاً، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُوَاصِلُوا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: «فَإِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي». قال فلم ينتهو عَنِ الْوِصَالِ فَوَاصَلَ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ فقال: «لو تأخر الهلال لزدتكم» كالمنكل لهم (أخرجه أحمد والشيخان) وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي»، فَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ كَانَ يُقَوَّى عَلَى ذَلِكَ وَيُعَانُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فِي حَقِّهِ إِنَّمَا كَانَ (مَعْنَوِيًّا) لَا (حِسِّيًّا) وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ مُوَاصِلًا مَعَ الْحِسِّيِّ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا * عَنِ الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَنِ الزَّادِ

وَأَمَّا مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمْسِكَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ السَّحَرِ فَلَهُ ذَلِكَ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السَّحَرِ» قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبَيْتُ لِي مطعمٌ يُطْعِمُنِي وساقٍ يَسْقِينِي» (أَخْرَجَاهُ فِي الصحيحين).

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المساجد} قال ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الرَّجُلِ يَعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ النِّسَاءَ لَيْلًا أو نهارا حَتَّى يَقْضِيَ اعْتِكَافَهُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا اعْتَكَفَ فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ جامَع إِنْ شَاءَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} أَيْ لَا تَقْرَبُوهُنَّ مَا دُمْتُمْ عَاكِفِينَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. وهذا الذي حكاه هُوَ الْأَمْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ مَا دَامَ مُعْتَكِفًا فِي مَسْجِدِهِ وَلَوْ ذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ لِحَاجَةٍ لَا بُدّ لَهُ مِنْهَا، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أن يثبت فِيهِ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَفْرَغُ مِنْ حَاجَتِهِ تلك، من قضاء الغائط أو الأكل، وليس له أن يقبِّل امرأته، ولا أن يَضُمَّهَا إِلَيْهِ، وَلَا يَشْتَغِلَ بِشَيْءٍ سِوَى اعْتِكَافِهِ، ولا يعود المريض لكن يسأل عنه هو مارّ في طريقه، وللإعكاف أحكام مفصلة في بابها، مِنْهَا مَا هُوَ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ومنها ما هو مختلف فيه.

-[168]- وَفِي ذِكْرِهِ تَعَالَى الِاعْتِكَافَ بَعْدَ الصِّيَامِ، إِرْشَادٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الِاعْتِكَافِ فِي الصِّيَامِ أَوْ فِي آخر شهر الصيام، كما ثبت في السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اعتكف أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ كَانَتْ تَزُورُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعْتَكَفٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ لِتَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يمشي مَعَهَا حَتَّى تَبْلُغَ دَارَهَا، وَكَانَ مَنْزِلُهَا فِي دار أسامة بن زيد في جانب الميدينة، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ لَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا (وَفِي رِوَايَةٍ) تَوَارَيَا - أَيْ حَيَاءً مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِ أهله معه - فقال لهما صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» (أَيْ لَا تُسْرِعَا وَاعْلَمَا أَنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ أَيْ زَوْجَتِي) فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شيئاً أو قال شراً» (رواه ابخاري ومسلم) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يعلِّم أُمَّتَهُ التَّبَرِّيَ مِنَ التُّهْمَةِ فِي مَحَلَهَا، لِئَلَّا يَقَعَا فِي مَحْذُورٍ، وَهُمَا كَانَا أتقى لله من أَنْ يَظُنَّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ الْمُرَادُ (بِالْمُبَاشِرَةِ) إِنَّمَا هُوَ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ مِنْ تَقْبِيلٍ وَمُعَانَقَةٍ وَنَحْوِ ذلك، فأما معاطاة الشي وَنَحْوَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِي إليَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ كَانَ الْمَرِيضُ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إِلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ.

وقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أَيْ هَذَا الذِي بَيَّنَّاهُ وَفَرَضْنَاهُ وَحَدَّدْنَاهُ مِنَ الصِّيَامِ وَأَحْكَامِهِ، وَمَا أَبَحْنَا فيه وما حرمنا وذكرنا غَايَاتِهِ وَرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ {حُدُودُ اللَّهِ} أَيْ شَرَعَهَا اللَّهُ وبيَّنها بِنَفْسِهِ {فَلاَ تَقْرَبُوهَا} أَيْ لَا تجاوزوها وتتعدوها. وقيل في قوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أَيِ الْمُبَاشَرَةُ فِي الِاعْتِكَافِ، {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ} أَيْ كَمَا بيَّن الصِّيَامَ وَأَحْكَامَهُ وَشَرَائِعَهُ وَتَفَاصِيلَهُ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ سَائِرَ الْأَحْكَامِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أَيْ يَعْرِفُونَ كَيْفَ يَهْتَدُونَ وَكَيْفَ يُطِيعُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الذِي ينزِّل عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بينا لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلَمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لرؤوف رحيم}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015