الموت (وهكذا روي عن مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ وغيرهم أنهم فسروا اليقين بالموت). وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ أهل النار أنهم قالوا: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}. وفي الصحيح: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَإِنِّي لَأَرْجُو له الخير» (قاله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى عثمان بن مظعون وقد مات، فقالت أم العلاء: رحمة الله عليك، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «وما يدرك أن الله أكرمه» الحديث). ويستدل بهذه الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا فَيُصَلِّي بِحَسَبِ حَالِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»، وَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى تَخْطِئَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ الْمُعْرِفَةُ، فَمَتَى وَصَلَ أَحَدُهُمْ إِلَى الْمَعْرِفَةِ سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا كُفْرٌ وَضَلَالٌ وَجَهْلٌ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَانُوا - هُمْ وَأَصْحَابُهُمْ - أَعْلَمَ النَّاسِ بِاللَّهِ وَأَعْرَفَهُمْ بِحُقُوقِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ التَّعْظِيمِ، وكانوا أكثر النَّاسِ عِبَادَةً وَمُوَاظَبَةً عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ إِلَى حين الوفاة؛ وإنما المراد باليقين ههنا الموت، كما قدمناه، ولله الحمد والمنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015