أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}، وَلِهَذَا قَالَ: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} أَيْ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن أَنَابَ إِلَى اللَّهِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ وَاسْتَعَانَ بِهِ وَتَضَرَّعَ لَدَيْهِ، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} أَيْ تَطِيبُ وَتَرْكَنُ إِلَى جَانِبِ اللَّهِ وَتَسْكُنُ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَتَرْضَى بِهِ مَوْلًى وَنَصِيرًا، وَلِهَذَا قَالَ: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القلوب} أي هو حقيقي بذلك، وقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}، قال ابن عباس: فرجٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نِعْمَ مَا لَهُمْ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: غِبْطَةٌ لَهُمْ. وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: خير لهم، وقال قتادة: يَقُولُ الرَّجُلُ: طُوبَى لَكَ، أَيْ أَصَبْتَ خَيْرًا، وقيل: حُسْنَى لَهُمْ، {وَحُسْنُ مَآبٍ} أَيْ مَرْجِعٍ، وَهَذِهِ الأقوال لا منافاة بينها، وروى السدي عن عكرمة: طوبى لهم هي الجنة، وبه قال مجاهد.
وروى ابن جرير، عن شهر بن حوشب قال: طوبى هي شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ كُلُّ شَجَرِ الْجَنَّةِ مِنْهَا أغصانها، وهكذا روى غير وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ فِي كُلِّ دَارٍ مِنْهَا غُصْنٌ مِنْهَا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الرَّحْمَنَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى غَرَسَهَا بيده من حبة لؤلؤة وأمرها أم تَمْتَدَّ، فَامْتَدَّتْ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَخَرَجَتْ مِنْ أَصْلِهَا يَنَابِيعُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ من عسل وخمر وماء ولبن. وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شجرة يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يقطعها»، قال: فحدثت بها النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيَّ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضْمَرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يقطعها». وفي صحيح البخاري عَنْ أنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يقطعها».