{الْأَشْهَادِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} " (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما) الآية. وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} أي يردون عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَسُلُوكِ طَرِيقِ الْهُدَى الْمُوَصِّلَةِ إلى الله عزَّ وجلَّ، {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} أَيْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُهُمْ {عِوَجاً} غَيْرَ مُعْتَدِلَةٍ، {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} أي جاحدون بها مكذبون بوقوعها، {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ} أَيْ بَلْ كَانُوا تَحْتَ قَهْرِهِ وَغَلَبَتِهِ، وَفِي قَبْضَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ، ولكنْ {يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار}، وفي الصحيحين: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب}، الآية، أي يضاعف عليهم العذاب، وذلك أن اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً، فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ، بَلْ كَانُوا صُمًّا عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ، عُمْيًا عَنِ اتِّبَاعِهِ، كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ حِينَ دُخُولِهِمُ النَّارَ {وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير}.

وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا نَارًا حَامِيَةً، فَهُمْ مُعَذَّبُونَ فِيهَا لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً}، {وَضَلَّ عَنْهُمْ} أَيْ ذَهَبَ عَنْهُمْ، {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}، مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَصْنَامِ فَلَمْ تُجْدِ عَنْهُمْ شَيْئًا بَلْ ضَرَّتْهُمْ كُلَّ الضَّرَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً

وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}، وقال تعالى: {سيكفرون بعبادتهم ويكون عليهم ضدا}، وقال الخليل لقومه: {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يكفر بعضكم لبعض وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى خُسْرِهِمْ وَدَمَارِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ}، يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ مآلهم بأنهم أخسر الناس في الآخرة، لأنهم اعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وَعَنِ الْحُورِ الْعَيْنِ بِطَعَامٍ مِنْ غِسْلِينٍ، وَعَنِ القصور العالية بالهاوية، فَلَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015