فِي الْمَسِيحِ فَظَاهِرٌ، وَلِهَذَا كَذَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الطَّائِفَتَيْنِ، فَقَالَ: {ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} أَيْ لَا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلافهم، {يُضَاهِئُونَ} أَيْ يُشَابِهُونَ {قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} أَيْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ ضَلُّوا كما ضل هؤلاء {قَاتَلَهُمُ الله} قال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ {أَنَّى يُؤْفَكُونَ}؟ أَيْ كَيْفَ يَضِلُّونَ عَنِ الْحَقِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَعْدِلُونَ إِلَى الْبَاطِلِ؟ وَقَوْلُهُ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}، رَوَى

الإمام أحمد والترمذي عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُسِرَتْ أُخْتُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ مَنَّ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُخْتِهِ وَأَعْطَاهَا، فَرَجَعَتْ إلى أخيها فرغبته فِي الْإِسْلَامِ وَفِي الْقُدُومِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقدم عدي إلى الْمَدِينَةَ، وَكَانَ رَئِيسًا فِي قَوْمِهِ

طَيِّئٍ وَأَبُوهُ حَاتِمٌ الطَّائِيُّ الْمَشْهُورُ بِالْكَرَمِ، فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِقُدُومِهِ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِ عَدِيٍّ صَلِيبٌ مِنْ فِضَّةٍ، وهو يقرأ هَذِهِ الْآيَةَ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} قَالَ فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ فَقَالَ: «بَلَى إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ وَأَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ فَاتَّبَعُوهُمْ فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عدي ما تقول؟ أيضرك أَنْ يُقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أكبر من الله؟ أيضرك أَنْ يُقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَهَلْ تعلم إلهاً غير الله؟» ثم دعاه إلى الإسلام، وفأسلم وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ». وَهَكَذَا قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا فِي تَفْسِيرِ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَآ أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إلها وَاحِداً} أي الذي ما شَرَعَهُ اتُّبِعَ، وَمَا حَكَمَ بِهِ نُفِّذَ {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أَيْ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالنُّظَرَاءِ وَالْأَعْوَانِ وَالْأَضْدَادِ وَالْأَوْلَادِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015