منها. قال موسى: سبحانك يا رب! تقدست، لقد كرمت هذا النبي وشرفته. فقال الله له: يا موسى! إني أنتقم من عدوه في الدنيا والآخرة، وأظهر دعوته على كل دعوة وأسلطه ومن اتبعه على البر والبحر، وأخرج لهم من كنوز الأرض، وأذل من خالف شريعته في هذا العالم؛ يا موسى! العدل رتبته، والقسط زينته، بعزة وجهي لأستنقذن به فئاماً من الناس عظيماً، حتمت يوم خلقت السموات والأرض أني مسبب ذلك الأمر على يدي محمد، وقضيت أني جاعل العز في الأرض والنبوة في الأجراء والرعاء. فقال له موسى لقد كرمت هذا النبي وشرفته! أي رب! أخبرني بعلامتهم من ولد بني آدم. قال: الأرز على أنصافهم ويغسلون أطرافهم، وهم رعاة الشمس، يخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي، يقاتلون صفاً في سبيلي، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، طوبى لتلك القلوب والأرواح التي أخلصت لي لم يسيروا بأرواحهم إلى غيري قط، يصفون لي في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي، فهم أوليائي وأنصاري، أنتقم بهم من عبدة الأوثان، وهم الذين ينصروني. قال له موسى: أي رب! ما بعثت في الأنبياء مثلي، ولم تكلم منهم غيري. قال له: أما في بني إسرائيل فلا أقيم مثلك، ولكني باعث في بلعم نبياً هو مثلك. قال: أي رب، هل أنت معطيه قرباناً مثل قرباننا؟ قال: قربانهم أفضل من قربانكم، تأكل قربانكم النار، فتنطلق به، ولهم في قربانهم أجران اثنان، يذبحون لي في غداة واحدة، يذكر اسمي ويهريقون الدماء لي فآجرهم، ويطعمون اللحم إخوانهم فآجرهم. فتحت الدنيا بإبراهيم، وختمتها بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثل كتابه الذي يجيء به - فاعرفوه يا بني إسرائيل - مثل السقاء المملوء لبناً يخاض فيخرج زبده، فهو كذلك كتاب الله، يقرأ عليكم لم تسمعوا بمثله قط، فيه خبر الكتب كلها، قضاء إلهي أنه يختم بكتابه الكتب، وبشريعته الشرائع، فمن أدركه فلم يؤمن به ويدخل في شريعته فهو من إلهي ومني بريء؛ وإنهم يبنون الصوامع في مشارق الأرض ومغاربها، إذا ذكروا اسم إلهي ذكروا اسم ذلك النبي معه، لا يزول ذكره من الدنيا حتى تزول.
وإن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم، لما بنى بيت المقدس صلى ركعتين ثم قال أي رب! بنيت لك بيتاً أتعبد لك فيه. فنزل عليه الوحي، قال الله: ويحك