فأرسل فرعون إلى موسى، فأتاه فقال له: " يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون " نحلف لك يا موسى " لئن كشفت عنا " هذا " لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل " فدعا موسى ربه فأرسل الله ريحاً شديدة فاحتملت الجراد فألقته في البحر، وانكشفت لهم الأرض، فلما نظر أهل مصر إلى الأرض فإذا هم قد بقي من زروعهم وكلئهم ما يكفيهم عامهم ذلك، وذلك في أرض لم تصل إليه الجراد، فأتوا موسى ونكثوا العهد وقالوا: بقي لنا ما نكتفي به سنتنا هذه، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل. فلما علم الله ذلك من كفرهم أمر الله موسى أن امش إلى كثيب في ناحية كذا وكذا من أرض مصر، فاضربه بعصاك ثم انكته من نواحيه. فانطلق موسى إلى ذلك الكثيب فضربه بعصاه، فخرج عليهم مثل القمل - وقال بعضهم: البراغيث - والقمل هو هذا الدبى من الجراد، حتى خرج شيء لا يحصي عدده إلا الله، حتى امتلأت البيوت والأطعمة، ومنعتهم من النوم والقرار، فكان الرجل منهم لا يقر ليله ولا نهاره، ويصيح كهيئة المجنون قد اعترتهم الحكة، وأقبلت على بقية الزرع فأكلته حتى أخرجته من عروقه، فصرخ أهل مصر إلى فرعون: إنا قد هلكنا جوعاً إن لم ترسل إلى هذا الساحر يدعو لنا ربه أن يكشف عنا هذا العذاب. فأرسل فرعون إلى موسى، فأتاه فقال له: " يا أيها الساحر ادع لنا ربك " يكشف عنا، وإن فعل آمنا بك وأرسلنا معك بني إسرائيل. قال موسى: قد كنت حلفت لي واعطيتني عهداً إن كشف الله عنكم لتؤمنن بي، ولترسلن معي بني إسرائيل. قال: قد كان ذلك فيما مضى، ولكن المرة ادع لنا. قال موسى: لا أدعو لكم ما سميتموني ساحراً. فقال: يا موسى! ادع لنا ربك. فدعا موسى ربه، فأمات القمل، فلم يبق منه بأرض مصر شيء، فلما أن علم القوم أنه لم يبق لهم ما يعيشون به أتوا فرعون، فجعلوا يتوامرون ماذا يصنعون بموسى؟ قال: فاتفق أمرهم على أنه ساحر، وإنما غلبهم بسحره، فدعا فرعون موسى فقال: يا موسى! إن لم نؤمن لك هل يستطيع ربك أن يفعل بنا شراً مما فعل، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل. فلما علم الله نكثهم أوحى إلى موسى أن يأتي البحر ثم يشير بعصاه، ففعل موسى فأرسل الله عليهم الضفادع، فتداعى بعضها بعضاً حتى أسمع أدناها أقصاها وما فوق الماء منها وما تحته، فخرج كل ضفدع خلقه الله في البحر، فلم يشعر الناس إلا والأرض مملوءة ضفادع، ثم توجهت نحو المدينة فدبت في أرضهم وبيوتهم، ومجالسهم وأجاجيرهم وفرشهم وأقبيتهم، وامتلأت الأطعمة والآنية، وكانوا لا يمشون ولا يقعدون إلا على الضفادع، وكان الرجل منهم لا يكشف عن ثوب ولا عن قدر ولا عن آنية إلا وجد فيه ضفادع ميتة، حتى إن الرجل كان ينام على فراشه مع أهله، فإذا انتبه من نومه وجد عليه من الضفادع ما لا يحصى، وقد ركب بعضها بعضاً، وجعل أهل المدينة لا يستطيعون أن، يأكلوا طعاماً من بين الضفادع.

قال مجاهد: كانت الضفادع تسكن الحجرة، فلما أرسلها الله عذاباً على فرعون وقومه كانت تجيء حتى تقذف أنفسها في التنور المسجور والقدور، وهي تغلي غضباً لله، فشكر الله لها فأسكنها الماء، وجعل نقيقها النشيج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015