مختصر المزني (صفحة 328)

مختصر من كتاب الشهادات وما دخله من الرسالة

باب من تجوز شهادته ومن لا تجوز

[مُخْتَصَرٌ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَمَا دَخَلَهُ مِنْ الرِّسَالَةِ] [بَابُ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ]

بَابُ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ وَمَنْ يَشْهَدُ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَةٍ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ اخْتِلَافِ الْحُكَّامِ وَأَدَبِ الْقَاضِي وَغَيْرِ ذَلِكَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا يُمْحِضَ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ حَتَّى لَا يَخْلِطَهُمَا بِمَعْصِيَةٍ وَلَا يُمْحِضَ الْمَعْصِيَةَ وَتَرْكَ الْمُرُوءَةِ حَتَّى لَا يَخْلِطَهُمَا شَيْئًا مِنْ الطَّاعَةِ وَالْمُرُوءَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلَا يُقْبَلُ الشَّاهِدُ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِخَبَرٍ مِنْهُ أَوْ بَيِّنَةٍ أَنَّهُ حُرٌّ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ جَارٍ إلَى نَفْسِهِ وَلَا دَافِعٍ عَنْهَا وَلَا عَلَى خَصْمٍ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مَوْضِعُ عَدَاوَةٍ وَلَا لِوَلَدِ بَنِيهِ وَلَا لِوَلَدِ بَنَاتِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَا لِآبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَإِنْ بَعِدُوا وَلَا مَنْ يُعْرَفُ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ أَوْ الْغَفْلَةِ.

وَلَوْ كُنْت لَا أُجِيزُ شَهَادَةَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ لِأَنَّهُ يَرِثُهَا مَا أَجَزْت شَهَادَةَ الْأَخِ لِأَخِيهِ إذَا كَانَ يَرِثُهُ وَلَا أَرُدُّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إذَا كَانَ لَا يَرَى أَنْ يَشْهَدَ لِمُوَافِقِهِ بِتَصْدِيقِهِ وَقَبُولِ يَمِينِهِ وَشَهَادَةُ مَنْ يَرَى كَذِبَهُ شِرْكًا بِاَللَّهِ وَمَعْصِيَةً تَجِبُ بِهَا النَّارُ أَوْلَى أَنْ تَطِيبَ النَّفْسُ بِقَبُولِهَا مِنْ شَهَادَةِ مَنْ يُخَفِّفُ الْمَأْثَمَ فِيهَا، وَكُلُّ مَنْ تَأَوَّلَ حَرَامًا عِنْدَنَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ لَا حَدَّ فِيهِ لَمْ نَرُدَّ بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ.

أَلَا تَرَى أَنَّ مِمَّنْ حَمَلَ عَنْهُ الدَّيْنَ وَجَعَلَ عَلَمًا فِي الْبُلْدَانِ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْمُتْعَةَ وَالدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ نَقْدًا وَهَذَا عِنْدَنَا وَغَيْرِنَا حَرَامٌ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَلَّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ بَعْدَ الشِّرْكِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ فَاسْتَحَلَّ كُلَّ مُسْكِرٍ غَيْرِ الْخَمْرِ وَعَابَ عَلَى مَنْ حَرَّمَهُ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُقْتَدَى بِهِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِتَأْوِيلٍ، وَإِنْ خَطَّأَهُ وَضَلَّلَهُ وَاللَّاعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالْحَمَامِ بِغَيْرِ قِمَارٍ وَإِنْ كَرِهْنَا ذَلِكَ أَخَفُّ حَالًا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَيْفَ يَحُدُّ مَنْ شَرِبَ قَلِيلًا مِنْ نَبِيذٍ شَدِيدٍ وَيُجِيزُ شَهَادَتَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ شَرِبَ عَصِيرَ الْعِنَبِ الَّذِي عَتَقَ حَتَّى سَكِرَ وَهُوَ يَعْرِفُهَا خَمْرًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا نَصٌّ وَمَنْ شَرِبَ سِوَاهَا مِنْ الْمُنَصَّفِ أَوْ الْخَلِيطَيْنِ فَهُوَ آثِمٌ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَسْكَرَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ حَرَامٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَكْرَهُ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ لِلْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ يُدِيمُ الْغِنَاءَ وَيَغْشَاهُ الْمُغَنُّونَ مُعْلِنًا فَهَذَا سَفَهٌ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَقِلُّ لَمْ تُرَدَّ فَأَمَّا الِاسْتِمَاعُ لِلْحِدَاءِ وَنَشِيدِ الْأَعْرَابِ فَلَا بَأْسَ بِهِ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلشَّرِيدِ أَمَعَك مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ هِيهِ فَأَنْشَدَهُ بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ حَتَّى بَلَغْت مِائَةَ بَيْتٍ» «وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِدَاءَ وَالرَّجَزَ، وَقَالَ لِابْنِ رَوَاحَةَ حَرِّكْ بِالْقَوْمِ فَانْدَفَعَ يَرْجُزُ» (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ اسْتِدْبَارًا فَقُلْت لَهُ: كَيْفَ يَلْعَبُ بِهَا اسْتِدْبَارًا؟ قَالَ يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ ثُمَّ يَقُولُ بِأَيِّ شَيْءٍ وَقَعَ " فَيَقُولُ بِكَذَا فَيَقُولُ أُوقِعُ بِكَذَا.

(قَالَ) : وَإِذَا كَانَ هَكَذَا كَانَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالْقُرْآنِ أَوْلَى مَحْبُوبًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ التَّرَنُّمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015