وَأَبُو حنيفَة يُوَافق أَحْمد على أَن الْأَب أَحَق بهَا من الْخَالَة وَالْأُخْت والعمة وَسَائِر النِّسَاء بِخِلَاف مَا قَالَه فِي الصَّبِي فَإِنَّهُ جعل الْأَب أَحَق بِهِ مُطلقًا لَكِن قَالَ الْأُم وَالْجدّة أَحَق من الْأَب فكلاهما قدم الْأَب وَغَيره من الْعصبَة على النِّسَاء لَكِن أَحْمد طرد الْقيَاس فقدمه على جَمِيع النِّسَاء وَأَبُو حنيفَة فرق بَين عَمُود النّسَب وَغَيره وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَ الْخَالَة أم فَإِذا قدم الْأَب على النِّسَاء اللَّاتِي يقدمن عَلَيْهِ فِي حَال صغرها دلّ ذَلِك على أَن الْأَب أقوم بمصلحة ابْنَته من النِّسَاء وَتبين أَن أصل هَذَا القَوْل لَيْسَ فِي مُفْرَدَات أَحْمد بل هُوَ طرد فِيهِ قِيَاسه
وَبِكُل حَال فَهُوَ قوى مُتَوَجّه لَيْسَ بأضعف من غَيره من الْأَقْوَال المقولة فِي الْحَضَانَة ولي قَول من رجح الْأُم مُطلقًا بأقوى مِنْهُ
وَمِمَّا يقوى هَذَا القَوْل أَن الْوَلَد مُطلقًا رذا تعين أَن يكون فِي مَدِينَة أحد الْأَبَوَيْنِ دون الآخر وَكَانَ الْأَب سَاكِنا فِي مصر وَالأُم سَاكِنة فِي مصر آخر فالأب أَحَق بِهِ مُطلقًا سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى عِنْد عَامَّة الْعلمَاء كشريح القَاضِي
وكمالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَغَيرهم حَتَّى قَالُوا إِن الْأَب إِذا أَرَادَ سفر نقلة لغير الضرار إِلَى مَكَان بعيد فَهُوَ أَحَق بِهِ لِأَن كَونه مَعَ الْأَب أصلح لَهُ لحفظ نسبه وَكَمَال تَرْبِيَته وتعليمه وتأديبه وَأَنه مَعَ الْأُم تضيع مصْلحَته وَلَا يُخَيّر الْغُلَام هُنَا عِنْد أَحدهمَا لَا يخرج إِلَى الأحق فالاب أَيْضا أَحَق لِأَن كَونه عِنْد الْأَب أصلح لَهُ وَهَذَا الْمَعْنى مُنْتَفٍ فِي الابْن لِأَنَّهُ يُخَيّر وَلِأَن تردد الابْن بَينهمَا لَا مضرَّة عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَاف الْبِنْت
وَاتَّفَقُوا كلهم على أَن الْأُم لَو أَرَادَت أَن تُسَافِر بِالذكر أَو الْأُنْثَى من الْمصر الَّذِي فِيهِ عقد النِّكَاح فالأب أَحَق بِهِ فَلم يرجح أحد مِنْهُم الْأُم مُطلقًا
فَدلَّ ذَلِك على أَن ترجيحها فِي حضَانَة الْوَلَد مُطلقًا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى مُخَالف لهَذَا الأَصْل الَّذِي اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَعلم أَنهم متفقون على تَرْجِيح جَانب الْأَب عِنْد تعذر الْجمع بَينهمَا وَهَذَا ثَابت فِي الْوَلَد وَإِن كَانَ طفْلا يكون فِي بلد أَبِيه بِخِلَاف