وَمن ادّعى أَنه لَا فرق بَين الْبُغَاة والخوارج وقتال عَليّ لأهل الْجمل وصفين فِي الْأَحْكَام الْجَارِيَة عَلَيْهِمَا فَإِن قَوْله قَول مجازف فَإِن التَّسْوِيَة بَينهمَا هُوَ قَول طَائِفَة من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَغَيرهم
وَأما جُمْهُور أهل الْعلم فيفرقون بَين الْخَوَارِج المارقين وَبَين أهل الْجمل وصفين وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف عَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَعَلِيهِ عَامَّة أهل الحَدِيث وَالْفِقْه وَعَلِيهِ نُصُوص أَكثر الْأَئِمَّة وأتباعهم من أَصْحَاب مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهم وَذَلِكَ أَنه ثَبت فِي الصَّحِيح عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ تمرق مارقة على خير فرقة من الْمُسلمين تقتلها أولى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ فتضمن هَذَا الحَدِيث ذكر الطوائف الثَّلَاثَة وَبَين أَن لمارقة نوع ثَالِث لَيْسُوا من جنس أُولَئِكَ فَإِن طَائِفَة عَليّ أولى بِالْحَقِّ من طَائِفَة مُعَاوِيَة وَقَالَ فِي حق المارقين يحقر أحدكُم صلَاته مَعَ صلَاتهم وصيامه مَعَ صِيَامهمْ وقراءته مَعَ قراءتهم يقرءُون الْقُرْآن لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية أَيْنَمَا لقيتموهم فاقتلوهم فَإِن فِي قَتلهمْ أجرا عِنْد الله لمن قَتلهمْ يَوْم الْقِيَامَة
وَقد روى مُسلم أَحَادِيثهم فِي الصَّحِيح من عشرَة أوجه وَاتفقَ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم على قتال هَؤُلَاءِ
وَأما أهل الْجمل وصفين فَكَانَت طَائِفَة قَاتَلت من هَذَا الْجَانِب وَطَائِفَة من هَذَا الْجَانِب وَأكْثر الصَّحَابَة لم يقاتلوا لَا مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا مَعَ هَؤُلَاءِ ومدح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحسن لِأَن الله أصلح بِهِ وَبَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين من أَصْحَاب أَبِيه وَأَصْحَاب مُعَاوِيَة فَلم يكن الْقِتَال وَاجِبا وَلَا مُسْتَحبا بِخِلَاف الْخَوَارِج فَإِنَّهُ قد ثَبت أَنه أَمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحض عَلَيْهِ وأجمعت عَلَيْهِ الْأمة فَمن سوى بَين قتال الصَّحَابَة وَبَين قتال ذِي الْخوَيْصِرَة وَأَمْثَاله من الْخَوَارِج والحرورية الْمُعْتَدِينَ كَانَ قَوْله من جنس أَقْوَال أهل الْجَهْل وَالظُّلم الْمُبين